كارثة ارتفاع الأدوية السورية تخنق المرضى عمداً

سليمان أمين:

سجلت الأدوية السورية، مؤخراً، ارتفاعاً قياسياً، يمكن اعتباره أكبر جريمة ترتكب بحق المواطنين السوريين وخصوصاً الذين يعانون من الأمراض المزمنة والأطفال والمسنين، وسط حالة من الفقر المدقع يعيشها السوريون بسبب النهج السائد وقرارات الحكومة. فما إن بدأ العام الجديد حتى بدأت معه سلسلة من قرارات الجباية ورفع أسعار هستيري طال كل شيء، وسط غياب الحلول الحكومية العلاجية الضرورية للتخفيف من الأزمات المعيشية الخانقة التي يعيشها السوريون، ولم تتوانَ وزارة الصحة عن الالتحاق بشقيقاتها من الوزارات الأخرى برفع أسعار الأدوية بنسب قياسية جنونية، مبرّرةً فعلتها بتذبذبات سوق الصرف والمشتقات النفطية، وغيرها من الحجج التي لم تعد مقنعة، فقبل نهاية العام صدرت نشرة رفع أسعار بعض أصناف الأدوية بنسب كبيرة، ثم عادت وارتفعت مرة أخرى في غضون أقل من شهر.

وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية انقطاعاً لبعض الأصناف الدوائية، كأدوية الأنفلونزا والرشح والالتهابات والضغط وغيرها، وسط تصريحات لعاملين في المجال بتوقف حوالي 15 معملاً للأدوية عن العمل، إضافة إلى مطالبة آخرين بزيادة تسعيرة الأصناف الدوائية بنسبة 150% لتغطية كلفة الإنتاج المرتفعة.

وكانت مديرية الشؤون الصيدلانية في الوزارة، في منشور على صفحتها الرسمية في فيسبوك، قد أرجعت ارتفاع أسعار الأدوية إلى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة في البنك المركزي من 3015 ليرة إلى 4522 ليرة، وإلى ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة، و(حرصاً على استمرار توفر الأدوية في السوق).

وقد استجابت وزارة الصحة لمطالب المجلس العلمي للصناعات الدوائية وأصحاب معامل الأدوية، فرفعت أسعار الأدوية بنسبة لا تقل عن 65%، وشمل الرفع نحو 12 ألفاً و826 زمرة دوائية.

وكانت الارتفاعات كالتالي:

الأمبولات 100% – القطرات 100% – كريمات 80%  – شرابات 75% _ الحبوب (المضغوطات) 65%.

وقد طالب المجلس العلمي للصناعات الدوائية مسبقاً برفع أسعار الأدوية بنسبة 152% لتتناسب مع تكلفة الإنتاج المرتفعة، ولتجنب استمرار أزمة الدواء الراهنة.

وقد بررت وزارة الصحة، رفع أسعار الأدوية وربطها بارتفاع سعر الدولار الأمريكي من قبل البنك المركزي، وإن رفع سعر الأدوية يتناسب مع رفع قيمة الدولار من قبل المصرف المركزي السوري حتى 4520 ليرة سورية، وهذا وحده يشكل ما قيمته 50% من سعر الدواء، بالإضافة إلى ازدياد تكاليف حوامل الطاقة وتكاليف الإنتاج وتكاليف الشحن العالمية وسلاسل التوريد، هذه الأمور لا يمكن غضّ النظر عنها والمطالبة بأن يكون سعر الدواء ثابتاً.

عذر أقبح من ذنب

لم تكن تلك المبررات التي صدرت عن وزارة الصحة كافية لرفع أسعار الأدوية إلى أرقام قياسية وجنونية يصعب على المواطن الحصول عليها اليوم، فدولار المركزي بقي ثابتاً على سعر 3015 لفترة طويلة ومع ذلك ارتفعت الأدوية لعدة مرات في ظل تعتيم على رفع أسعار كثير من الأصناف خلال السنة الماضية، وكان آخرها النشرة التي صدرت في منتصف شهر 12 العام المنصرم برفع 20 صنفاً للأدوية بنسب كبيرة، وإن عدنا لرفع سعر الأدوية وفق دولار المركزي حسبما بررت الوزارة، فالدولار ارتفع بمعدل 50% فقط، بينما ارتفعت الأدوية بأقل نسبة 65% أي أعلى من معدل ارتفاع صرف المركزي، وإذا عدنا لمتابعة الارتفاعات التي حصلت خلال السنة الماضية لوجدنا أن أغلب الأدوية ارتفعت بمعدل فاق 30%، وهذا يؤكد أن الأدوية تسعر وفق بورصة السوداء لا المركزي، مع العلم بأن الصناعات الدوائية ومستلزمات إنتاجها مدعومة من قبل الحكومة على سعر صرف المركزي، ولها اعتماد واضح ضمن ميزانية الحكومة السنوية، وإن الارتفاع الذي حصل يعتبر ظلماً، فمنطقياً يفترض أن لا ترتفع الأدوية بحدودها الطبيعية أكثر 40%  لا 100% كما عمم على الصيدليات لتعديل أسعارها بنسبة فاقت 65% لا 50% كما أوردتها الوزارة إعلامياً، فماذا يحدث ضمن أروقة الوزارة وأصحاب معامل الأدوية ولا أحد يعلم؟؟ وهل باتت صناعة الأدوية تحت وطأة اقتصاد السوق الحرة وبناء الثروات على حساب صحة المواطن السوري؟!

ماذا عن مرضى الأمراض المزمنة

تضغط أزمة رفع أسعار الأدوية بتأثيرها على المواطنين وخصوصاً الذين يعانون من الأمراض المزمنة كالقلب والسكري والضغط والسرطان وغيرها من الأمراض الأخرى، فقد ارتفعت أسعار أدويتها ضعفين وبأرقام قياسية كبيرة، حتى فاقت قيمة أدوية بعض المرضى 200 ألف شهرياً أي أعلى من راتب الموظف، فمن أين يأتي المواطنون اليوم بالمال لشراء أدويتهم؟؟ هل يستسلمون للألم والأوجاع حتى الموت، فمن المعلوم للقاصي والداني أن المواطنين خلال السنة الماضية باتوا يشترون الدواء والمسكنات من الصيدليات بالحبة، فماذا يفعلون اليوم في ظل هذا الارتفاع الجنوني الذي أقرّته وزارة الصحة مع بداية العام وانتشار أمراض الشتاء، فهل تزدهر مهنة التداوي بالأعشاب واللجوء لأساليب بدائية لتسكين الألم؟ هل نحن اليوم على أبواب كارثة كبيرة في ظل انتشار الفيروسات الجديدة والمعدلة جينياً بشكل كبير؟!

ختاماً

هل من قرار صارم يعيد للمواطن حقوقه المسلوبة في أسواقٍ يسيطر عليها ويتحكم بها السماسرة وحيتان المال؟!

العدد 1105 - 01/5/2024