ماذا يحدث في أسواقنا؟ وما علاقة اللجان الرقابية!؟

سليمان أمين:

رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في قرارها الأخير منذ أيام أسعار المحروقات، في ظل أزمة خانقة تعيشها البلد بشكل كارثي، ما أدى إلى زيادة الأسعار بشكل أكبر مما كانت عليه، فقد تضاعفت الأسعار خلال الثلاثة شهور الأخيرة بفارق 40% إلى 50% وسطياً لمختلف السلع دون أي روادع، بل صارت لجان التموين والصحة وغيرها من اللجان تجوب الأسواق لجمع الأتاوات من المحلات الصغيرة والتجار وغيرهم، وقد صارت المحلات التجارية تخصص مبلغاً يومياً للجان التي جرى فرزها بالواسطات والرشاوى على الأسواق لتستفيد قدر المستطاع، وهذا الأمر زاد الوضع سوءاً في أسواق سورية بشكل عام، وانعكس بشكل سلبي سواء على المحلات التجارية وخصوصاً الغذائية وعلى المواطنين.

من خلال جولاتنا في الأسواق وحديثنا بشكل يومي مع التجار وأصحاب المحلات قالوا لنا إن المبالغ التي يدفعونها للجان يومياً لا تقل عن 25 ألف ليرة، حسب المحل ونوعية عمله، وقد تحدث لنا أحد أصحاب المحلات في اللاذقية عن الأساليب التي تتبعها اللجان التابعة للصحة وحماية المستهلك وغيرها من اللجان التي تزداد بشكل دوري وتتعدد مسمياتها وأشكالها تحت مسمى الرقابة على الأسواق وملاحقة التجار والمخالفات وغيرها من المسميات الأخرى، ومن الأساليب التي تتبعها هذه اللجان وفق روايات أصحاب المحلات هو تعمّد توجيه المخالفات، لتبدأ بعد ذلك المفاوضات معهم للحصول على المال، وهنا التاجر مجبر على الدفع أو تسجّل بحقه مخالفة قد تصل إلى السجن وغرامات كبيرة، كما يحدث في محلات بيع الدجاج والمشتقات الحيوانية، فقد يجري توجيه أبسط تهمة بأن الفروج مسموم، وكذلك بالنسبة للبنة والجبنة، وتؤخذ عينات وتبدأ بعدها المساومات، حسب ما قاله لنا بعض من نعرفهم من أصحاب المحلات، وتتراوح المبالغ التي تدفع بين 200 ألف و 500 ألف حسب المحل وحسب المفاوضات التي تحدث بينهم. وعند سؤالنا: لماذا لا تُقدّمون شكوى للمسؤول؟ قالوا إنه لا جدوى من ذلك بل سيزيد من الوضع أكثر سوءاً ويتم تعمدهم بشكل أكبر وتسجيل مخالفات وتشميع وغيرها حتى لو كان لا يوجد أي مخالفة بحقهم، كما حدث مع غيرهم ممن تكلّم. وعند اقتراحنا بتركيب كاميرات مراقبة وتصوير اللجان وهي تبتزهم وتفاوضهم وتأخذ منهم (المعلوم) اليومي، كان الجواب نفسه وأنه لا قانون اليوم في ظل الفوضى التي يعيشها البلد وسيأتي الأسوأ. وقد حصل في الآونة الأخيرة أن كثيراً من المحلات أغلقها أصحابها بسبب فظاعة ما تقوم به اللجان التي تحتاج المعلوم اليومي، من جهة، ومن جهة ثانية حركة البيع قليلة.

ما يحدث في أسواقنا يصعب وصفه أو إيصاله كما هو، ولا يمكن أن نلوم أصحاب المحلات التجارية والغذائية ولا حتى أن نلوم اللجان فهي جزء لا يتجزأ من منظومة فساد مؤسساتية مترهلة تحتاج  إلى إعادة الهيكلة والبناء داخلياً من جديد بتعيينات صحيحة حسب المؤهلات والخبرات التراكمية، لا بتعيينات المال والمنصب والولاء، فأغلب مسؤولي المؤسسات الخدمية ليسوا بمكانهم الصحيح، فعلى سبيل المثال دائرة الصحة التابعة للبلدية والتموين يجب أن يترأسها طبيب أو مختص بالأغذية لا مهندس أو حقوقي، أو غيره من الاختصاصات التي لا تمت بصلة للصحة، كحال مديرياتنا اليوم فالخلل واضح، وكذلك بالنسبة لموظفيها يجب أن يترأس أي لجنة خريج معهد صحي أو غذائي لا ثانوية، فمن المعيب أن نرى ذلك في مؤسساتنا المنهكة من سوء التعيينات.

ختاماً

ما نحتاجه اليوم وبشدة هو مسيرة تصحيح وتصليح مؤسساتية شاملة لكل شيء، فسياسة التعيين الحالية والمعتمدة منذ سنوات والخارجة عن قانون التعيينات هي المساهم الأول في تدمير مؤسساتنا الخدمية، علينا أن نعود لتفعيل القوانين وبشدة والابتعاد عن سياسة الواسطات والرشاوى والقربى، فلدينا قوانين جميلة وحديثة ولكنها غير مطبقة نهائياً، وما ينقصنا للإصلاح هو تفعيل هذه القوانين وتنظيف مؤسساتنا من التعيينات الخاطئة، ووضع كل شخص في مكانه المناسب، فمن المعيب أن نرى شخصاً عُيّن مستخدماً وأصبح مديراً لمكتب في غضون أشهر.

العدد 1105 - 01/5/2024