أحلام سورية مؤجلة

وعد حسون نصر:

أحلامٌ ركنّاها في زوايا منازلنا نحن السوريين، غلّفناها بالأمل، تبعثرت الحروف وضاق الأمل فحلَّ الألم. فمع حلول كل عام يزداد الحنين ويكبر شغف الحلم، فالأم المنتظرة أن يعجَّ منزلها بأبنائها حول مائدة العام الجديد، باتت فقط ترنو إلى صور معلّقة على الجدران، وتنتظر صوت جرس الهاتف، أو نغمة تطبيق (واتس آب) لتراهم من خلف الشاشة، وتوزع عليهم قبلات مبعثرة داخل غرفة صغيرة، يطيّرها الهواء دون أن تلامس وجوههم، والزوجة الحالمة بشموع حمراء لتستقبل عامها الجديد مع زوجها، تسير وحيدة في المنزل منتظرةً قدومه من عمله المستمر إلى ما بعد منتصف الليل، أو تجلس على أريكة داخل غرفتها تطلب له الرحمة بعد أن خطفته نار الأزمة منها، أو تفتح أحد التطبيقات لترسل له معايدة كتابية أو صوتية في غربته علّها تؤنس وحدتها في يوم الميلاد. لتُخمد الشموع الحمراء قبل أن توقد بفرحة الأعياد، حتى الطفل الحالم بدمية من (بابا نويل) بات ينام محتضناً وسادته فرحاً بلقمة من الأطايب تدخل منزلهم ليوم واحد في العام، وقطعة حلوى صغيرة، علّها تنسيه برد الشتاء القارس مع غياب نار الدفء من منازلهم، وهي أحد طقوس الأعياد.

أحلامنا المركونة، نحن السوريين، باتت تزداد عاماً بعد عام، من الكهرباء إلى الماء إلى الدفء إلى الوقود إلى اللقاء، إلى لمّة الأهل، كلّها أحلام صغيرة، لكن الذل والقهر حوّلها إلى أحلام كبيرة، شردنا في الأزمة وتركنا منازلنا الكبيرة وذهبنا في أصقاع الأرض نبحث عن الأمان، ومنيّنا أنفسنا أنها مرحلة ستنتهي وسوف يزهر الأمل من جديد، ستبزغ الشمس كما كانت، ويزهر الربيع في كل عام. للأسف ضاقت بنا الأرض، وتحوّل عامنا إلى فصل واحد فقط: فصل الخريف الهرم ببرده القارس وشمسه البعيدة، لم يعد لدينا أمل بأيّ قادم، وتراكمت الأعوام ولا جديد في بلادي، إلاّ القهر يكبر مع كل رفع سعر مادة أساسية، ومع كل غلاء جديد، ومع كل شحّ في أحد الاساسيات، كما باتت أنوار الأمل مطفأة في عيوننا جميعاً مع ازدياد ساعات التقنين وما نجم عنها من شلل للحياة، مع نقص وقود الحافلات التي تحملنا نحو أعمالنا وجامعاتنا ومدارسنا، أو نزهاتنا، حتى يوم الجمعة عند السوريين بات ورقة تقويم منسية نمزقها صباح السبت، نقرأ ما كتب خلفها ونرميها في القمامة، إنه يوم عادي، لم يعد يوم النزهات ولا اللمّة ولا فطور الفلافل الدمشقي، هكذا نستقبل أعوامنا نحن السوريين بعد أن نُغلّف أحلامنا بالألم لا بالأمل.

العدد 1107 - 22/5/2024