ما نحتاجه حكومة عمل لا تصريحات

سليمان أمين:

وصلنا إلى مرحلة الانعدام النهائي لمقومات الحياة التي تعتبر حقاً مشروعاً لأي شعب، وما زالت حكومتنا تتحفنا بتصريحاتها وخطاباتها التي لم تنفع يوماً ولن تنفع، فالزمن يتغير ويتسارع وكذلك الشعوب، ومن لم يدرك قيمة الوقت فإن الوقت يدركه ويجعله ضميراً مستتراً لمفعول ما فعله، وهذا حالنا اليوم مع حكومات الكلام والإنشاء التي لم تفعل شيئاً على أرض الواقع، بل هدمت ما كانت عليه بلدنا من تقدم وإنتاج و تنمية، ولنعد بالذاكرة إلى الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية الجديدة ونقارن حال بلدنا، فالبناء والعمل الحقيقي لا يحتاج إلى كثرة الكلام الفارغ وادّعاء البطولات، بل الإنجازات تتكلم عن نفسها، ويكفي تعليق كل تقصير في تأمين مستلزمات الحياة على شماعة الحرب والحصار والمؤامرات وغيرها كثير مما لا يتسق مع المنطق اليوم، فقد سبق أن عاشت بلادنا حصاراً في القرن المنصرم ولم نصل إلى مرحلة ما نحن عليه اليوم، وإن عدنا إلى الحصار الذي تعزو إليه حكومتنا السبب وتعلّق تقصيرها، فيكفينا أن نتساءل: كيف تدخل مواد وحاجات الرفاهية الكاملة إلى البلد من موبايلات وسيارات وكهربائيات ومفروشات …الخ، مما لا ينفع ولا يسدّ حاجة المواطن بشيء، وبالمقابل لا تدخل المواد الأساسية والغذائية وغيرها من المواد التي يحتاجها المواطن في معيشته اليوم، فعن أي حصار تتحدث حكومتنا ومسؤولونا؟ أم أن أثرياء الحرب وتجار الوطن غير مشمولين بالحصار وقانون قيصر، ويدخل لهم ما يتمنون وما تشتهي أنفسهم؟ أما الشعب الذي صمد وقدم أبناءه قرابين ليحموا الوطن، فمفروض عليه كل أنواع الحصار والقوانين التي تجوعه وتذلّه وتقتله في اليوم آلاف المرات.

لا حياة كريمة يعيشها السوريون اليوم بسبب الأخطاء الحكومية القاتلة التي بدأت منذ عام 2008، فالسياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة أوقفت عجلة الإنتاج بكل أنواعه ومجالاته، وانتقلت بالبلد من بلد منتج إلى بلد مستورد ومستهلك، وما زالت سلسلة القرارات المعيقة للإنتاج مستمرة وبقوة دون أي روادع، ولعل آخرها قرار رفع سعر الأسمدة الذي سوف يجمد الزراعة أكثر ويقضي على أهم مقومات الاقتصاد السوري، وكان يجب استثمارها والتمسك بها بقوة كما حدث في الثمانينيات والتسعينيات، وخصوصاً في ظل أزمة الغذاء العالمية، فالمنتج الزراعي السوري معروف بجودته العالمية، ويمكن أن نحقق أمننا الغذائي وتصدير الفائض ولكن كل ذلك يحتاج إلى حكومة إنتاجية لا حكومة كلامية وورقية، وكذلك هو حال الصناعات التحويلية والتقليدية والألبسة والقطنيات وغيرها الكثير من الأمور التي تم القضاء عليها بقوة وبإصرار قوانين الجباية التي دفع الكثير من الصناعيين وكبار التجار إلى المغادرة واستثمار صناعاتهم في بلدان أخرى كمصر وتركيا، حتى اليوم لم نعد نرى قانوناً ذا فائدة إنتاجية تعمل على تحريك عملية الإنتاج واستثماراته داخل البلد، بل ما يحدث هو زيادة قوانين الجباية ذات المفعول التدميري لما تبقّى بشتى أنواعها دون إدراك العواقب والكارثة التي وصلنا إليها اليوم، ومازال الحبل على الجرار مستمراً .

ما نحتاجه اليوم هو حكومة إنتاجية تضع خططاً تنموية حقيقية تعيد تحيك عجلة الإنتاج بكل مجالاته وتفتح أسواق تصريف وتعيد بناء العلاقات التجارية بشكل حقيقي وتفاعلي، إضافة إلى تحفيز المستثمرين للعودة والاستثمار الحقيقي الذي يمكن أن يخرجنا من بوتقة البركان الكارثي الذي يعيشه المواطنون اليوم، والخروج من حالة الجباية المرهقة التي أدمت كل شيء وقتلت روح الإنتاج والمعيشة، ما نحتاجه حكومة عمل تؤمن للشعب حاجاته دون تصريحات ووعود لا تُنفّذ ودون إنشاء تعبيري منمق، فزمن الخطابات البراقة قد ولى واندثر، والزمن اليوم هو زمن العمل والخبرات والكفاءات لا زمن الولاءات، لنستفد من تجارب الحكومات العملية في البلدان المتقدمة كاليابان والصين وأوربا.

أما عن تخفيف الهدر الذي تتحدث عنه حكومتنا في كل اجتماعاتها، فيمكن تقليص الهدر لا بالضغط المعيشي على المواطنين وزيادة الجباية بل بتقليص عدد الوزارات، فهناك الكثير من الوزارات التي لا أهمية لها في هذا الوضع الكارثي، ويمكن إعادتها لتكون مديريات، فوزارة الأوقاف مثلاً كانت بالأساس مديرية تتبع لوزارة الثقافة، وغيرها من الوزارات يمكن دمجها وتقليص عددها أو إلغائها، فالاهتمام الأساسي يجب أن يكون على الوزارات الخدمية والإنتاجية كالزراعة والصناعة والكهرباء والإدارة المحلية وغيرها من باقي الوزارات والمؤسسات الخدمية، فكثير من الدول المتقدمة دمجت وزاراتها ومؤسساتها لتخفيف الهدر الحاصل واستئصال الفساد والترهل فيها.

ما نحتاجه اليوم مجموعة من القرارات العملية التي تعيد إنعاش البلد وشعبه لا خطابات وتصريحات، أليس مضحكاً أن نقرأ تصريحاً بأن الحكومة تفاجأت أو متفاجئة من أزمة حصلت؟!

العدد 1105 - 01/5/2024