أيمن أبو الشعر.. مسيرة عطاء ووفاء

طلال الإمام_ السويد:

حالفني الحظ خلال زيارتي الأخيرة لسورية بحضور أمسية للشاعر الوطني أيمن أبو الشعر، في المركز الثقافي العربي_ أبو رمانة بدمشق، وتوقيع آخر أعماله (اعترافات عاشق) إضافة إلى توقيع دراسة عن مسيرته الغنية بقلم الدكتور راتب سكر، سمّاها: (أيمن أبو الشعر بين روزا لوكسمبورغ وساحة العاصي).

دراسة الدكتور راتب ممتعة ورشيقة تأخذ القارئ إلى رحلة سريعة في أهم محطات الاديب أيمن أبو الشعر الشخصية والفنية والإبداعية : من حي السكة في منطقة العفيف بالشام، والعائلة التي نشأ فيها، إلى تنقله بين مختلف مدن وأرياف سورية، إلى موسكو حيث تابع إبداعاته، إلى جانب دراسته في معهد الاستشراق وحصوله على درجة الدكتوراه. أجاد الدكتور راتب في إلقاء الضوء على حياة أديبنا ومسيرته، والأسرة التي ترعرع في كنفها والتي ساهمت في تكوين وعيه الفكري والأدبي بشكل مبكر، ولقاءاته مع قامات أدبية كبيرة منذ بدايات إبداعه، لدرجة صار الناس يتناقلون أشرطة تسجيلاته والقاعات تمتلئ بمجرد إقامة أمسية له.. لأنه كان يعبّر عن أوجاعهم وآمالهم.

يذكر أن للأديب أيمن أبو الشعر قرابة ثلاثين مؤلفاً في الشعر والمسرح والدراسات والترجمة والقصة، ومازال عطاؤه مستمراً سواء في سورية التي يعشقها، أو في غربته في موسكو حيث أثبت حضوره الأدبي، فنال جائزة ماياكوفسكي من الاتحاد السوفيتي عام 1985، وجائزة الريشة الذهبية من روسيا عام 2020.

تحية وتقدير للدكتور راتب سكر على مجهوده الكبير في تأريخ جانب من مسيرة الأديب أيمن، كيف لا والحديث يدور عن حياة تمتد أكثر من نصف قرن من الإبداع والحضور؟!

كنت أتمنى من الدكتور راتب أن يتوقف بشيء من التفصيل أمام محطات هامة أخرى في حياة أيمن أبو الشعر، عندما كان يحمل عوده وينشد أشعاره في سهرات شعبية تلهب وتلهم أفئدة الناس وعقولهم، عندما كان يجول ليس فقط في مدن سورية، وقراها وحاراتها، ليغني لهم ومعهم، بل وفي التجمعات العمالية والفلاحية. وكذلك الإشارة إلى دوره في نشر الفكر التقدمي وفي فرقة سبارتاكوس للشباب. لقد عملت أوائل ثمانينات القرن الماضي في مكتبة ميسلون بدمشق، وكنت شاهداً على تهافت الشباب لشراء كاسيتات أشعاره طبعاً إضافة إلى أعماله، كما كنت أتمنى الإشارة إلى حادثة ذات مغزى كبير في مسيرة شاعرنا ومازالت طرية في ذاكرة الكثيرين، سوف أتوقف عندها بسرعة: في شتاء 1975 جرى تنظيم أمسية لشاعرنا على مدرج جامعة دمشق، لكنه تعرض لهجوم قامت به القوى الرجعية والظلامية وهو في طريقه إلى تلك الأمسية، غير أن المحاولة لم تثنِه عن لقاء جمهوره، فذهب إليهم وهو مضمّد (الصورة المرفقة تظهر بقايا الدم على الكنزة رغم تنظيفها في المشفى الذي أُسعف إليه، وجانباً من ضماد يده). وفي التفاصيل التي رواها بعض من كان حاضراً أن سيارة توقفت عند مدخل مدرج الجامعة ونزل منها شخص، وقفز على الدرج وضرب أيمن بهراوة على رأسه، وعاد مسرعاً ودخل السيارة التي غادرت بسرعة. حدث ذلك سريعاً ورغم أن بعض الناس القادمين إلى الأمسية شاهدوا ذلك وصرخوا لأيمن يحذّرونه، إلا أنه ظن أنهم يحيونه، سقط على الأرض والدم يسيل من رأسه، كما أصيب كفه بكسر، لأنه استدار بعد الضربة الأولى ووضع يده على رأسه بشكل تلقائي، ثم سقط على الأرض، وهرع الشباب وعدد من المواطنين وحملوه إلى المشفى، وهناك بعد التضميد قال له الطبيب إلى العناية المشددة! لكن شاعرنا أصر على اللقاء بالجمهور الذي ينتظره وكان الحشد هائلاً.. وقال عندما وقف أمام الميكروفون عبارته التي غدت أشبه بالمثل الشعبي: (كنت أعلم أن في الدرب كلاباً، ولكني، وهذا خطأ مني، كنت أعتقد أنها تجيد النباح فقط، لكنها كانت تجيد العض أيضاً!). كان في الفريق المرافق لشاعرنا عمران منصور وحمادة كيكي وبرهان عكو. وبسبب الهجوم الغادر حدث نزف دماغي خفيف، وأصيب أيمن لأشهر بشلل نصفي، ومن حسن الحظ أن جسمه امتصّ هذا النزف وتعافى.

شكراً ثانية للدكتور راتب سكر على عمله الذي يستحق القراءة.

العدد 1105 - 01/5/2024