حكاية لا تنتهي

وعد حسون نصر:

الحكاية التي لا تنتهي هي حكاية العنف وخاصة على النساء، وبكل أشكاله، فما زالت المرأة تتعرّض لشتّى أنواع العنف وفي كل المجالات، ففي منزلها وخاصة في المجتمعات الريفية، وفي بعض الأسر المتشدّدة، داخل المدن وغيرها، تُعامل المرأة في كل ما ذكرنا على أنها مجرّد مدبرة منزل بقوتها اليومي، تتلقى الشتيمة والإهانة وأحياناً الضرب، وربما يضطّرها الأمر أن تخضع لأوامر ابنها الذكر في اختيار ملابسها وخروجها من منزلها.

أيضاً في العمل مازالت الخيار الآخر واللاحق للترقية، وخاصة في مجال الإدارة بعد الرجل، ودائماً تقاس الإدارة ليس من خلال الكفاءة ومن أجدر بها، إنما من خلال أن الرجل أجدر وأقدر على القيادة والإدارة من المرأة. كذلك في بعض المناصب وخاصةً في مجال القضاء نلاحظ دائماً أن دور المرأة محدود، فلا يمكنها أن تحكم في قضايا الشرع وأمور الزواج والطلاق، وتُعتبر شهادتها ناقصة أمام الرجال، فهي تحتاج إلى امرأة اخرى ليكونا معاً بمنزلة رجل واحد. في الآونة الأخيرة انتشر خبر على مواقع التواصل الاجتماعي (زواج في تونس كان كاتب العدل أنثى والشهود أيضاً امرأتين) كخطوة جيدة للاعتراف بأن المرأة لا تقلُّ عن الرجل شأناً في هذا المضمار. لكن للأسف المُحزن كان في التعليقات وخاصةً من النساء أنفسهن بأن هذا الزواج باطل ومرفوض، إضافة إلى رفض فكرة أن تشارك المرأة كلياً في مجال الشرع والإفتاء!! أليس هذا عنف أيضاً على المرأة ومن المرأة ذاتها؟ أليس انتقاصاً من شأن المرأة؟!

كذلك الحال في مجال الميراث، فالمرأة مُعنّفة ومازال حقها منقوصاً أمام الرجل، ذلك أن كل امرأتين تعتبران بمنزلة رجل واحد. في الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي مازالت صورة المرأة سلبية، إذ غالباً ما يتم التركيز وبشكل خاص على أجساد النساء والجنس، والأدوار الاجتماعية التقليدية بدلاً من كفاءتهن وقدراتهن ومدى عطائهن في مجال بناء المجتمع. كذلك التعنيف من خلال فرض سلطة دينية على المرأة رغماً عنها واعتبارها أقلّ من الرجل، وحتى منعها من إبداء رأيها، أو تجنّب مشاورتها والتقليل من شأنها وخاصةً في اختيار شريك حياتها وإكمال تعليمها وحتى طريقة لباسها في غالب البيئات.

أشكال كثيرة من العنف تُمارس على ملايين النساء يومياً، والكثيرات منهن لا يستطعن التفوّه أو حتى الثورة على هذا الوحش الكاسر الذي ينهش عظامهن بكل طقوسه، من ضرب الأجساد، إلى إسقاط الشتائم على المسامع، إلى الحرمان من حرية التعلّم وحرية العمل وحرية السياسة، لذلك من الضروري أن نتسلّح بالوعي نحن النساء لمحاربة كلّ ظواهر العنف ضدّنا، وأن نسعى لتعزيز دور القانون من أجل وقوفه في صفّنا لحمايتنا من ذواتنا قبل تسلّط ذكور المجتمع علينا، كي لا تكثر الجرائم ويعمَّ الجهل ونصبح تحت رحمة وصيّ، لكي لا نُكرّر مأساة جديدة ضحاياها إناث لم ينصفهن المجتمع ولا القانون، فأصبحن في عداد الأموات، فلم تخلق المرأة لتكون تحت رحمة الرجل ونظرة المجتمع لها على أنها أنثى مهيضة الجناح وبحاجة إلى وصي عليها،  وأنها فقط عبارة عن وعاء للإنجاب. إنها رمز العطاء وأساس المجتمع الذي لم تكن يوماً نصفه فقط، بل لأنها المجتمع بأكمله، فهي أمّ وأخت وزوجة وابنة، هي عشتار، هي الخصب.

العدد 1105 - 01/5/2024