على أطلال الأزمة

وعد حسون نصر:

يتغيّر التاريخ ويصبح مُحدّداً بما قبل الأزمة وما بعدها، لأننا عند سؤالنا عن أي موضوع نقول وبلا شعور: حصل قبل الأزمة، أو بعد الأزمة بعام.

هذا التاريخ المفصلي غيّر معه أشياء كثيرة، غيّر أحاسيسنا، نظرتنا إلى المستقبل، حتى تعاملنا فيما بيننا تغيّر. لم نزدَد ألفة إنما زدنا بغضاً وكراهية، فقد صدمتنا الظروف، واكتشفنا أنفسنا ومشاعر من حولنا، فالشدائد عرّتنا على حقيقتنا، كشفت لنا السيئ من الجيد، أظهرت من يحبنا لذواتنا وفي كل الظروف، ومن يريدنا فقط أقوياء، حتى نفوس أبنائنا تغيّرت، فهم أبناء أزمة اختلفت ألعابهم معها، اختلفت أحاديثهم، ازدادوا عنفاً وتوتّراً، ازدادت حدّة اللهجة والحوار. حتى الأماكن اختلفت، أضحت مهجورة وإن كانت مأهولة بالسكان، لكنها تفتقد أحبتنا، تفتقد حيويتنا، مسحت ذكرياتنا من على جدرانها وأشجار حدائقها، بتنا نسير في بعض الطرقات نغصُّ بحسرة الذكريات، فنقول: قبل الأزمة كنّا نأكل هنا، وقبل الأزمة كان بيت صديقنا هنا، وهكذا نستعرض حسرة الفراق لمجرّد السير في طريق من طرق مدينتنا، النقود في أيدينا اختلف ملمسها فضلاً عن قيمتها، لم تعد ثمينة كما كانت، فمهما كبرت الفئة النقدية لا متعة في حملها لأنها باتت مجرّد وسيلة لسدّ الحاجة وشراء الأساسي والضروري فقط من طعام ودواء، فالثياب والأحذية أضحت رفاهية.

الأزمة غيّرت التاريخ، شوّهت المعالم، أخفت حضارة مدن، أخذت ألبومات الصور، وأخذت دمى القماش والأزرار الملونة، أخذت الطباشير الحمراء ولم نعد نستطيع أن نرسم الزهور على سبورة الصف ذات اللون الأخضر، وحتى ثياب مدرستنا لم تعد تشمُّ رائحة الطباشير، وقبل كل شيء أخذت معها التقويم وتغيّر التاريخ وأصبح قبل الأزمة وأثناءها وخلالها وما بعدها.

العدد 1107 - 22/5/2024