(مفرزات الحرب).. كيف نحمي أطفالنا منها؟

تهامة الدعبل:

كلنا عانينا الحرب وآلامها، وخسرنا أحبتنا وبيوتنا، ورأينا ذكرياتنا وأحلامنا تُهدَم أمام ناظرينا، ولم نكن نملك سوى صرخاتِنا نرسلُها إلى السماء لعلَّ قطرةً تهطل فتُخمد لهيب أفئدتنا.

مرّت الحرب وخسرنا ما خسرناه، وودعنا من ودعناهم، وما زلنا نعاني آثارها ومفرزاتها، وعلى الرغم من ذلك نسعى جاهدين لتأمين أفضل حياة لأطفالنا، ونستذكر مع ضحكاتهم طفولتنا، ونردد باستمرار: (أيييه، نيّالهم.. ما عندن لا همّ ولا غمّ)، ولكن ماذا لو قلت لك إنَّ لديهم من الهمِّ ما يفوق طاقة أجسادهم الصغيرة!؟

أشارت منظمة اليونيسيف في آذار 2021 إلى أنَّ 90% من أطفال سورية بحاجة إلى الدعم النفسي، وتشير أبحاث جديدة إلى أنَّ اضطرابات القلق والاكتئاب هي الأكثر شيوعاً بين الأطفال في المدارس ما بين السادسة حتَّى الثامنة عشرة، ولكن من أين لطفل في السادسة من عمره ما زال يكتشف الحياة من حوله أن يُصاب بالاكتئاب؟ وهل لنا دور في هذا؟

يظنُّ الأهل في كثير من الأحيان أن الطفل لا يدرك ما يدور حولَه ولا يهمّه سوى اللعب، وهذا مفهوم خاطئ، فعلى الرغم من أنه لا يستطيع تفسير مجريات الأمور بدقة، لكنَّه حسّاسٌ جداً لها، فمثلاً هو لا يعي معنى أنَّ أحد أفراد العائلة المحبَّب له قد توفّاه الله، ولا يعرف معنى الموت، لكنَّه يدرك أنَّ هذا أمرٌ يستدعي الحزن والخوف.

وهنا يكمن دور الأهل في احتضان أطفالهم ومساندتهم لحمايتهم من الشروخ النفسية التي قد تصيبهم، ولا ننكر أثر الحرب الجسيم في أطفالنا، لكنَّها ليست السبب الوحيد، فالأهل لهم الدور الأكبر والأعظم، فحين يحتضن الآباء أطفالهم لا تستطيع حروب الدنيا أن تهزّهم.

إنَّ طبيعة الحياة الجديدة وتحدياتها من ارتفاع الأسعار، وشحٍّ فرص العمل، وانعدام للأمان، وفي بعض الأحيان قد تكون جميع مسؤوليات المنزل ملقاة على عاتق شخص واحد فقط، ما يجعل مسؤولية التربية أصعب من ذي قبل، ممّا قد يجعل الأهل يغفلون عن حاجات أطفالهم النفسية والاعتناء بها، ولكن مهما قست الدنيا علينا وصفعتنا بحوادثها يجب ألّا تُنسينا دورنا الأسمى في هذه الحياة بوصفنا آباء وأمّهات، ودعونا لا ننسى أنَّ الطفل وإن كان ذكياً وإن استخدم مصطلحات أكبر من عمره يبقى طفلاً يحتاج إلى الرعاية ويقلّد ما يراه ويسمعه، لذا فلنكن حريصين على ألّا نتذمّر ونشكو صعوبة الحياة أمام أطفالنا، مثلاً: (لن نستطيع دفع الإيجار هذا الشهر)، (ليس لدينا ما يكفي من المال)، أو التحدّث عن قصص الخطف والسرقة والقتل الشائعة أخيراً، أو تحميله أعباءً لا شأن له بها (أنا أعمل طوال اليوم لأجلك في حين أنك لا تشعر بي)، لن يشعر بك طفلك بهذه الطريقة، بل سيشعر بأنَّه عبء وحمل ثقيل عليك وخلاصك منه هو الحظ الأوفر.

وكذلك فإن تحذير الطفل على نحو مبالغ فيه سيكون له دور في زرع القلق فيه، بالتأكيد لا بدَّ من توعيته وتحذيره من الحديث مع الغرباء في الطريق أو الذهاب مع أحد دون علمكم، ولكن من دون مبالغة، فأنت تريد سلامته لا أن يرى هذا العالم غابة تعجُّ بالوحوش المتعطّشة لنهش لحمه الطري.

ولا ننسى تأثير الكارثة الأساسية في معظم المجتمعات، وهي (انفصال الأهل)، والتي تُعدُّ من أكثر المشكلات التي تصنع شروخاً لدى الطفل، ربَّما هو لا يدرك حقيقةً معنى الانفصال، لكنه يدرك أن الدنيا اهتزّت بما فيها، وأنه سيعاني الفقد والوحدة والخوف والاشتياق والحرمان، وفي هذه الحالات كثيراً ما يكون الطفل سلاحاً بين والديه اللذين يحاول كلٌّ منهما تشويه صورة الآخر أمامه، أو حرمانه منه، أو إجباره على اتخاذ موقف من أحد الأبوين ضدَّ الآخر، كسؤاله: (بتحب تعيش مع ماما أو بابا؟) وإجباره على أن يختار واحداً فقط.

هذه كلها إلى جانب المشكلات التي باتت – للأسف – معتادة كالعنف والتنمّر والمقارنات والتقليل من القدرات والحب المشروط (إذا ما جبت عشرة ما رح حبّك!) وغيرها الكثير ممّا يؤدي إلى إصابة الطفل بالقلق أو الاكتئاب بسنٍّ مبكرة، وقد تصل إلى مرحلة يصعب تداركها في حال لم يتنبَّه الأهل باكراً.

لا أريد أن أتكلم بفلسفة أو كما يُقال: (تنظير)، فضغوط الحياة خانقة بالفعل، وأنتم أيها الأهل – كان الله في عونكم – تتكبّدون من المشقّة ما يفوق طاقتكم، ومسؤولية التربية ليست بالأمر السهل وتزداد صعوبةً يوماً تلو الآخر، لكنَّ أطفالنا بحاجة إلينا وبحاجة إلى عطفنا ودعمنا لهم، مَن منّا لم يتمنَّ لو كان ابنه أو ابنته مكان شام البكور في الأسبوع الفائت؟ طفلكم قادر على أن يكون مثلها وأفضل منها، فقط احتضنوه وحاوروه واستمعوا إليه، قولوا له إنكم تحبونه مهما كان حتى ولو لم يتفوّق على ابن خالته، وستبقون بجانبه وتوجهونه حتى ولو أخطأ، فالذي ساعد شام على التميُّز ليس أنها تمتلك من الذكاء ما يفتقر إليه ابنك، بل مساندة أمّها لها وإيمانها بها.

هم لا يملكون في هذه الدنيا سواكم، فكونوا ملجأهم الآمن!

العدد 1105 - 01/5/2024