التلوّث السمعي والبصري رفيق واقعنا اليوم

تهامة الدعبل:

يعجُّ عالمنا بالمعطيات السمعية والبصرية التي نستقبلها وتتكدّس في أدمغتنا لتشكّل مخزوناً نألفه ويمثل جزءاً من هويتنا، لكنَّها، مع الأسف، غالباً ما تكون فوضوية ومزعجة وتعود بأثر سلبي على العين والأذن معاً، وهذا ما يُعرَف بالتلوّث السمعي والبصري، ولكن هل نعي فعلاً أهمية العناية بإحاطة أنفسنا بمعطيات قيِّمة لنبني موروثاً قيِّماً في أذهاننا؟ وهل ندرك مدى خطورة تشوّه هذه المعطيات وأثره السلبي فينا؟

من مظاهر التلوّث البصري المحدق بنا من كلّ حدب وصوب أكوام القمامة المنتشرة في أرجاء الشوارع وأمام المنازل والمحلات، ومُخلّفات المناديل الورقية، وأعقاب السجائر، وغيرها ممّا يرميه الناس في الطرقات، وكبول الكهرباء المتدلية، والحفريات، واللافتات الإعلانية، والأهم من هذا كله هو ظاهرة التعرّي في الشوارع التي باتت موضة وأصبح الناس يُعِدُّونها مضماراً للسباق فيما بينهم، لكنه في الواقع منظرٌ خادشٌ للبصر والحياء على حدٍّ سواء، وهذه المظاهر تؤدي إلى تخلّي الإنسان عن قيمه الجمالية حتى تصبح مألوفة له ومحبّبة في بعض الأحيان وتُحدِث ما تُحدِثه من ضرر نفسي وجسدي فينا، إذ إنَّ هذه الفوضى تسبّب نوعاً من القلق والتوتّر والغضب المستمر دون وعي للأسباب الكامنة وراءه، ممّا يؤدي مع طول المدة إلى أمراض القلب وارتفاع الضغط وغيرها.

ولا نغفل أهمية الجانب الآخر المؤثّر فينا، وهو الأصوات من حولنا.

يقول أفلاطون: (الموسيقا قانون أخلاقي يمنح الروح للكون، ويمنح الأجنحة للعقل، وتساعد على الهروب إلى الخيال، وتمنح السحر والبهجة للحياة).

ويقول كونفوشيوس: (إذا أردت معرفة مقدار بلد من المدنية والحضارة فاستمع إلى موسيقا هذا البلد).

تُعدّ الموسيقا من أهم المُحفّزات التي تساعد في تحسين المزاج والشعور بالراحة والاسترخاء، إضافة إلى تحسين المهارات اللفظية والبصرية لدى الأطفال، وتُعد من أهم المُحفّزات التي تقوي الذاكرة وتنشط الخلايا الدماغية، حتى في الحالات التي قد لا يعمل الدماغ بها على النحو المطلوب، ما يساعد على علاج أمراض كثيرة مثل الزهايمر والسرطان وغيرها، ولكن ماذا عن (سميرة وانا الحاصودة) التي يُصبِّحنا بها سائقو الحافلات كل صباح، والأغاني الصاخبة – الخالية من الهدف – وأغاني (المهرجانات) التي بات اهتمام الشباب ينصبُّ عليها في الفترة الأخيرة؟

لا ننكر ما يمنحه هذا النوع من الموسيقا من شعور بالحماس والسعادة، والتمرّد على العادات والتقاليد ولفت الانتباه، ولكن في الوقت نفسه لا نستطيع التغافل عن أثرها السلبي الذي يفوق الأثر الإيجابي بأضعاف، ويمكن إدراج هذا النوع من الموسيقا الضّارة تحت مسمّى التلوّث السمعي، وهذا لا يقتصر على هذه الموسيقا فقط، بل يتعداه إلى كل ما يحيط بنا من أصوات السيارات المتعالية طوال اليوم، وأصوات آلات البناء، وأصوات الصراخ والبائعين المتجولين وغيرها.

لا شكّ أن هذه الأصوات تؤدي إلى انهيار الجهاز العصبي في الدماغ والتوتّر والإرهاق والصداع المستمر، لقد أكّدت تقارير منظمة الصحة العالمية أنَّ الاستماع إلى الموسيقا الصاخبة بصوت عالٍ أكثر من ساعة قد يؤدي إلى فقدان السمع كلياً أو جزئياً لا سيما عند استخدام سماعات الأذن.

نحن نعي جيداً أنه في ظلّ عدم قدرتنا على السيطرة على كل ما يحيط بنا ممّا ذكرناه لا نستطيع وقاية أنفسنا بالكامل منها، ولكن على الأقل يمكن أن نخلق لأنفسنا جواً مريحاً من المظاهر المريحة والموسيقا الهادئة لنخفّف عن أنفسنا ما تتكبّده من ضغوط خارجية، أتمنى لكم حياة هادئة بعيداً عن كل تلوّث وكلّ ما يُلحق الضرر بكم!

العدد 1107 - 22/5/2024