أين الاهتمام بالإنتاج يا حكومتنا!؟

سليمان أمين:

عندما يصبح الاهتمام بالسياحة والرياضة والدراما هو الشغل الشاغل لأي حكومة فهو دليل على  الفشل الذريع  في إيجاد حلول وخطط علاجية للواقع المعيشي والخدمي وغيره الكثير من الأمور التي تعمل الحكومات على إخفائها تحت الكواليس، وجميعنا يتذكر عام 2008 عندما بات الشغل الشاغل للحكومة السياحة والدراما والرياضة وتألقها في تلك الفترة، في الوقت الذي كانت الحكومة تمرر فيه القوانين الجديدة ذات النكهة الرأسمالية التي خنقت الشعب وحطمت أحلام الشباب وأوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من دمار وتخريب لكل شيء.

وفي ظل أزماتنا الكارثية اليوم والخنق الاقتصادي والحروب التي تقرع في دول العالم، تتحفنا الحكومة الرشيدة بعنايتها الفائقة بالاستثمار السياحي والإنتاج الدرامي وغيره من الأمور السطحية التي لا فائدة منها اليوم ولا تخدم المواطن نهائياً بشيء، بينما تبحث دول العالم عن المشاريع الاستثمارية التي تحقق لها الأمن الغذائي والمائي والطاقة وغيرها من الأساسيات التي تخدم معيشة مواطنيها وتبقيهم على قيد الحياة، أمّا حكومتنا الراقية الجميلة فمشاريعها فوق ضروب الخيال، فما نفع السياحة اليوم إن كانت الأزمات التي يعيشها الوطن وشعبه لم تعالج بعد، فلدينا من الفنادق والمنشآت السياحية العاطلة عن العمل منذ سنوات ما يكفي لعشرين سنة قادمة، فبلدنا منطقياً بحاجة إلى عدة سنوات أقل ما يمكن قوله لتعود إليها السياحة الخارجية، فحتى اليوم نحن نعيش في ظل الحرب بشقيها الاقتصادي والسياسي.

هناك مثل يقول: (القفز فوق الأساطيح لا يطعم خبزاً ولا يبني بيتاً)، وهذا هو حال قرارات حكومتنا ومشاريعها اليوم، في ظل الواقع المعيشي المرير الذي يعانيه المواطنون، من سوء خدمات وتراجع معيشي كارثي أدى إلى ارتفاع معدل الفقر والهجرة خارج البلد، إضافة إلى قرارات قتل الإنتاج الزراعي والصناعي وتقييده، ما أدى إلى أكبر كارثة يمكن أن تحصل بتاريخ بلدنا وهي ارتفاع الأسعار وتضخمها بشكل مرعب خارج عن المنطق، وفقدان الكثير من المنتجات في الأسواق، والكارثة الأكبر التي خلقتها قرارات الحكومات المتعاقبة ومشاريعها بالتحول إلى الرأسمالية هو تحويل سورية من بلد مكْتفٍ ذاتياً ويصدّر ما يفيض عن حاجة مواطنيه، إلى بلد مستورد لكل شيء من مواد غذائية وغيرها، وذلك بإهمال الزراعة والصناعة الذي بدأ العمل عليه منذ عام 2008 وهما قاطرتا النمو الأساسيتان، فالمنتَج السوري سواء كان زراعياً وحيوانياً أو صناعياً يعتبر من المنتجات الرائدة عالمياً لجودته العالية، ولكن اليوم لم يبقَ منتَج ولا إنتاج في ظل ما يحدث، وإن تعليق تراجع القطاعين على شماعة الحرب ليس صحيحاً، فلدينا بيئات استثمارية حقيقية في سورية للصناعة والزراعة لم تجد الاهتمام الكافي بها حتى اليوم، ويمكن الاستثمار فيها بشكل حقيقي ومثمر، فعلى سبيل المثال سهل الغاب لو استثمر بشكل حقيقي لحقّق الاكتفاء لسورية من المنتجات الحيوانية وغيرها من المنتجات الزراعية الأخرى، ونحن اليوم بأمس الحاجة لتحقيق الأمن الغذائي، في ظل الصراعات العالمية حول الطاقة والغذاء والماء، التي سوف تزداد في السنوات القادمة .

فالصناعة والزراعة هما الرافدان الأساسيان للاقتصاد السوري وتعافيه في الفترة المقبلة وليست السياحة وصناعة الترفيه (الدراما والرياضة) التي لا تشكل إيراداتها سوى جزء بسيط جداً بالنسبة للزراعة والصناعة، فعلى الحكومة أن توقف السباحة في الخيال وتنظر إلى الواقع وتتفاعل معه بخلق استثمار حقيقي وواقعي يعمل على تحسين الاقتصاد السوري ليتعافى ويتحسن معه واقع البلد المعيشي، لا زيادة الطين بلة بخلق مشاريع لسنا بحاجتها اليوم، فهناك ما هو أهم من دفع مليارات على إنشاء فنادق فارهة و غيره من الأمور الأخرى الثانوية التي لا تخدم الوطن ولا مواطنيه، فالأهم اليوم إيجاد حلول واقعية للواقع المعيشي والخدمي، إضافة إلى تحسين دخل المواطن السوري ومعيشته، وفتح مشاريع الإعمار الاستثمارية في المناطق التي هدمتها الحرب، والعمل على الحد من هجرة البنية الفتية واستثمارها بالشكل الصحيح داخل البلد.

العدد 1105 - 01/5/2024