إهمال الحكومة لهموم الفلاحين.. يساهم في معاناة الفقراء وإطالة عمر الأزمة

محمد علي شعبان:

كتبت العديد من المقالات سابقاً، إضافة إلى ما كتبه العديد من الكتاب والمهتمين، بهدف إلقاء الضوء على معاناة الفلاحين، والتحديات التي يواجهونها، بسبب التغيرات المناخية، وقلة الأمطار من جهة، ومن إهمال الدولة لهم ولحاجاتهم من جهة ثانية.. حتى باتت وزارة الزراعة، والمؤسسات التابعة لها تشكل عبئاً ثقيلاً على الفلاحين.

وعوضاً عن وقوف الوزارة إلى جانب الفلاحين المنتجين، اختارت أن تقف لصالح السماسرة والتجار على حساب الفلاحين.

فقد تخلت عن دورها الأساسي في تأمين الضروريات من بذار وأسمدة ومواد نفطية كالمازوت والزيوت المعدنية.

وتركت التجار والمرابين والسماسرة يتحكمون بهذه المواد، وأصبح الفلاح لقمة سائغة لهم.

صحيح أن سورية تمر بأزمة لا تحسد عليها، لكن ليس هكذا تدار الأزمة، فعندما يشتد الحصار، وتفرض الأزمة شروطها على التجارة والصناعة، يصبح الأمن الغذائي في جدول أولويات الحكومات، وتقدم الحكومة الدعم غير المحدود للقطاع الزراعي، والثروة الحيوانية باعتبارهما يحققان الأمن الغذائي للجميع، حتى تتمكن الدولة من المواجهة والصمود.

وليس صحيحاً أن يكون الدعم للتجار الذين يعملون على استيراد السيارات الفارهة، وأفخر أنواع التبغ، والأراكيل ومستلزماتها، وأحدث أنواع الموبايلات والعطور والأشياء التي يستطيع الإنسان الاستغناء عنها.

هل سأل السادة المسؤولون أنفسهم لماذا يُذلّ المواطن السوري كل يوم من أجل تأمين حاجاته من الخبز، وماذا يفعلون من أجل عدم إذلاله؟!

ولماذا أصبح كيلو الحليب، أو كيلو اللبن حلماً لكل اسرة سورية باستثناء أسرهم، ومن في صفّهم؟!

وهل سألوا أنفسهم وشركاءهم، لماذا أصبح سعر كيلو غرام التبن يضاهي سعر كيلوغرام التفاح؟!

وهل تساءل المعنيون في وزارة الزراعة لماذا أصبح كيلو من روث الحيوانات يعادل كيلو سكر؟! ولماذا أصبح كيلو غرام من التين المجفف يعادل عشرة كيلوغرامات من القمح؟!!

عندما يرتفع سعر كيس السماد مئتي ضعف عن سعره قبل 2010 وترتفع أجرة فلاحة الدونم من خمسين ليرة فقط قبل 2010 إلى 50000 ليرة سورية، أي ما يعادل ألف ضعف، وكلفة حصاد الدونم الذي ارتفع من 200 ليرة سورية إلى 80000 ليرة سورية، أي ما يعادل 400 ضعف.

وارتفع سعر كيلو القمح من 25 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية أي ما يعادل 80 ضعفاً!

هذا النهج بإدارة الازمة كفيل بتدمير القطاع الزراعي، والثروة الحيوانية وتجويع الفلاحين والمزارعين، وباقي فئات الشعب.

إن سورية التي كانت تنتج خمسة أضعاف حاجتها من القمح والشعير، والذرة، وفول الصويا وكل البقوليات الغذائية والعلفية، أصبح فلاحها المنتج مذلولاً وغير قادر على تأمين حاجاته الغذائية، بعد أن كان يوزع للفقراء خُمس إنتاجه ويعيش مكتفياً.

وأصبحت البيضة حلماً لأطفاله بعد أن انتعشت تجارة القطاعات الخاصة وعجز الفلاحون عن تربية الدواجن والمواشي وسيطرة الوسيط المدعوم على الأسواق، واحتكار مستلزمات الإنتاج وبيعها بأسعار خيالية للفلاحين المجبرين على شرائها.

هل يعقل أن يصل سعر كيس النايلون سعة 50 كيلوغراماً من القمح أو من السماد إلى 750 ليرة سورية، وهو يصلح لمرة واحدة فقط؟!

كيف يسوق الفلاح محصوله إذا كانت أجور نقل المحصول نصف سعر المحصول، الذي كلّف الفلاح ثلاثة أشهر من العمل والنفقات والأجور.

ماذا تجيب وزارة الزراعة على تساؤل مزارعي الزيتون، حول النفقات التي يدفعها المزارع؟!

إذا كان ثمن الفوارغ يكلف 5 بالمئة من الإنتاج، وأجور النقل تعادل 20 بالمئة وأجرة العصر تعادل 7 بالمئة، وأجرة القطاف 30 بالمئة، أي ما يعادل 65 بالمئة وتكاليف أخرى لم تُذكر، فماذا يبقى للمنتج؟!!

وماذا تجيب مربي الدواجن عندما يصبح سعر صحن البيض بسعر دجاجة؟! وسعر 50 كيلوغراماً من العلف 100 ألف ليرة سورية؟!!

أي أن سعر الكيلو الواحد يعادل سعر كيلو قمح!!

فهل أصبح كيلو القمح بسعر كيلو العلف؟! ما الفارق بينهما إذا؟!!

هل يعقل أن تأكل دول الخليج خرافنا ونحن ليس بمقدورنا أن نتذوق طعم اللحم حتى في الأعياد؟!

وهل أصبحنا رعياناً عند الدول الخليجية؟!

لمصلحة من بقاء مئات الهكتارات من الأراضي في سهل الغاب دون زراعة؟!

من هي الجهة المسؤولة عن تأمين السماد؟!

في العام الماضي خسرت الدولة ربع محصول القمح لعدم وجود سماد كافٍ، وقد تراجع إنتاج المساحات المزروعة حوالي 25% ودفع الفلاحون ضعف سعر السماد لتجار القطاع الخاص الذين يتحكمون بلقمة عيش الفلاح الذي يطعم الجميع! أليست مفارقة؟!!

كتبت ذلك لأقول:

نحن على أبواب بداية سنة زراعية جديدة، ولابدّ من التنبّه لخطورة ما يعانيه الفلاحون بعد ارتفاع سعر المازوت الذي ارتفعت معه تكاليف الأعمال الزراعية دون استثناء.

ولا بدّ من اتخاذ إجراءات جديدة تمنع استغلالهم، وتؤمن لهم مستلزمات الزراعة وبأجور رمزية حفاظاً على استمرارهم.

إن حاجة الفلاحين للمازوت حاجة حيوية، تتطلب الاهتمام، ليس من الوزارات المعنية وحسب، إنما تحتاج إلى انتباه خاص من السلطة التي تتحمل مسؤولية تراجع الإنتاج الزراعي، ونحن في مرحلة أحوج ما نكون إليه، بغية تحقيق حاجاتنا من المواد الغذائية بغية استمرارنا على قيد الحياة.

ليس صحيحاً أن يغيب السماد والبذار في بداية الموسم.

وأن تأخذ الجمعيات الفلاحية عمولات متنوعة على تامين البذار والسماد.

وأن يُترك مصير الفلاحين بيد التجار الكبار وحيتان السوق من جهة، والتجار الصغار المرتبطين بقطاعات الدولة من جهة ثانية.

من أين يتوفر السماد في الأسواق بأسعار خيالية؟! هل يوجد لدى التجار معامل أسمدة؟! أم أن مخصصات الفلاحين تباع لهم عبر وسيط؟!!

 

العدد 1105 - 01/5/2024