أين الفئة الوسطى بين فئات الشعب؟

وعد حسون نصر:

منذ أن بدأت أزمتنا التي لم تنتهِ بعد، غاب من المجتمع السوري ما يُسمّى بالطبقة الوسطى، فغدا المجتمع طبقتين فقط، طبقة الأثرياء من تجّار الأزمات والمسؤولين وكبار الصناعيين، وكبار رجال الدين، وحتى المخضرمين بالفن والاسم الكبير، وقد يتسلّل الى هذه الطبقة أيضاً مُحدثي النعمة، من تجّار الوقود وقوت الشعب، ومن يلجأ ليوظّف نفسه داخل المؤسّسة ويُمرّر الخلل مأجوراً. ومن تبقّى هم شرائح الفقراء والأكثر فقراً ويُشكّلون تسعين بالمئة من السوريين. وهنا غابت طبقتنا الوسطى بين الثرية ومحدثة النعمة، والمسحوقة على خط الفقر أو فوقه بقليل أو تحت خط الفقر بكثير. أسباب كثير غيّبت الطبقة الوسطى عن فئات المجتمع، ولعلّ أبرزها عدم تناسب دخلها مع القوة الشرائية، ففي السابق كان الموظّف يستطيع من راتبه أن يدّخر لشراء منزل بسيط وإن كان في الضواحي، أو حتى سيارة وإن لم تكن حديثة، وكان بإمكانه السياحة الداخلية لو مرة بالعام. حالياً الموظف لا يستطيع شراء حذاء جديد بمرتّبه أو حتى كُراس لأحد أبنائه، والسبب هو التفاوت الكبير بين الدخل والأسعار، الآن الموظّف بحاجة للعمل في أكثر من مكان ليتمكّن من سدِّ جزء بسيط من مستلزماته. كذلك المعلّم صاحب الرسالة والملقب بالرسول، أخذته موجة الغلاء، وأضحى منهكاً لا يستطيع حتى قراءة الرسالة ليتمكّن من إيصالها، فساعات التدريس باتت عملاً شاقاً، بسبب ضغط الطلاب والأعداد المتزايدة، ونقص الكوادر التدريسية، ويزداد الضغط ضغطاً بعدم تناسب الأجر مع جهد العمل ومع قوة الشراء. لذا أما آن الأوان لإيجاد الحلول كي لا يقع المجتمع السوري بهاوية الفقر أكثر فأكثر؟

إن أول عمل يجب أن تقوم به الحكومة للحدّ من العوز في المجتمع السوري هو ضبط الأسعار، ومحاسبة المتلاعبين بقوت الشعب، بطريقة جديّة وليس فقط هراء وكلام، بل العمل على الأرض لردع كل من يفكّر في التحكّم بقوت الشعب، ومحاسبة كل من يقوم باحتكار مادة استهلاكية أساسية لطرحها بعد فترة في السوق بسعر باهظ، ومحاسبة كل من يتاجر بالمخصّصات المجانية التي تأتي عن طريق المنظمات الإنسانية سواء كانت دواء أو مواد غذائية أو لباساً أو فرشاً، وزيادة أجور العمال والموظفين بما يتناسب مع وضع السوق، وتقديم تسهيلات للصناعين والتجّار من أجل زيادة انتاجهم بأسعار مناسبة وطرحها في السوق بما يتناسب مع مداخيل الأفراد في المجتمع. العمل على حلّ مشكلة الكهرباء عصب الحياة، والتي لا يستطيع أيُّ فرد الاستغناء عنها سواء كان صاحب منشأة صناعية كبيرة أو حتى ورشة صغيرة، فهو بحاجة إلى الكهرباء لتشغيل ورشته، والمواطن العادي بحاجة إلى الكهرباء في منزله لترتيب وتنظيم أعماله للإنارة والاستغناء عن التكاليف الباهظة في شراء بطاريات توليد وما شابه. أيضاً يمكن الاستفادة من إعادة تدوير النفايات وجعلها تدخل ضمن الميزانية، كما يمكن فتح المجال أمام المعارض والأسواق الشعبية كي تُسهم في زيادة القوة الشرائية بأسعار تناسب الجميع. ولا ننسى الاهتمام بالزراعة ودعم المزارع فهي تساعد إلى حدٍّ ما بزيادة الإنتاج الزراعي بشكل مثمر من خضار وفاكهه لطرحها في السوق بأسعار تناسب الجميع. كذلك دعم الثروة المائية، والثروة الحيوانية، فجميعها تسهم في تخفيف عبء الفقر، وترفع من نسبة المدخول، وتزيد من نسبة البيع والشراء. ولا ننسى أيضاً أنه يجب دعم صغار الكسبة لدى جميع الفئات من بائع البسطة للموظف، للمعلم، للممرّض، لصاحب الورشة الصناعية الصغيرة، للبقّال ذي المحل المتواضع، وهنا نكون قد حقّقنا الانصاف وسيتعافى المجتمع قليلاً، فربما تعود الفئة الوسطى إلى فئات مجتمعنا، لأنه من غير المعقول أن يغدو مجتمعنا: طبقة تُحلّق في سماء الترف، وطبقة تموت من غير نقود في التراب!

العدد 1105 - 01/5/2024