أطفال السلام أيديهم معاول

وعد حسون نصر:

لم نعد نرى الطفولة تغرد فرحاً بالطرقات، ولم نعد نسمع أصوات لعبهم المعتاد (السبع بلاطات، الغميضة، الخوط…) بل بتنا نسمع: استسلم وإلاّ سأطلق النار عليك، ارمي قنبلة عليهم حتى تدمّر مقرّهم …الخ، هكذا باتت ألعاب أطفالنا في الطرقات بعد أن ضاعت الطفولة منهم، وتفاقمت المشكلة أكثر بغياب الأقلام الملونة من أيديهم لتحلّ محلها أدوات العمل.

وتسود ظاهرة انتشار عمالة الأطفال بشكل مبالغ به، إذ لم تخلُ ورشة صغيرة أو كبيرة أو متجر أو مزرعة أو حقل من طفل أو أكثر يعملون تحت ذريعة الفقر، إذ بات الفقر الناجم عن أزمتنا مبرّراً لتسرّب الأطفال من المدرسة، كذلك لزجّهم في أعمال لا تناسب أعمارهم، ولجعلهم مشروع مجرم ومُروّج للمخدرات، وغدت شوارعنا تعجُّ بالأطفال من كل الأعمار منهم من اتخذ هذه الشوارع منزلاً يصحو وينام على قارعتها، ومنهم من جعل من حاوية القمامة مكان عمل له ومصدر رزق للقمة عيشه، ومنهم من جعل كل الطرقات مكاناً للتسوّل واستجرار عطف المارّة، وهنا لم نعد نرى في هذه الطرقات ولو بعضاً من مظاهر الطفولة التي شاخت منذ بداية الأزمة.

فلنقف في وجه شيخوخة الطفولة في بلدنا، علينا جميعاً أفراداً ومجتمع ومؤسسات ومنظمات ووزارات، والأهم وزارتا الشؤون الاجتماعية والعمل والتربية، إذ تقع عليهما مهمة ومسؤولية سنّ القوانين الصارمة لحماية ما تبقى من طفولة في بلدنا.

فيجب أولاً: فرض عقوبة شديدة على من يستغلّ طفلاً جسدياً ونفسياً أو للترويج تحت أي مبرر.

ثانياً: فرض عقوبة وغرامة مالية على أصحاب المتاجر والورشات بكل مسمياتها وأعمالها وعلى المعامل التي تقوم بتشغيل طفل واستغلاله.

ثالثاً: الاهتمام بالتعليم المهني وتوجيه الأطفال وخاصة من ليس لديهم رغبة بالتعليم العام إلى دراسة عملية تكون لهم بمثابة مصلحة في المستقبل، ولكن ضمن إشراف مختصين وبخبرات مميّزة، كذلك التشدد في تطبيق التعليم الإلزامي مع فرض مراقبة شديدة على جداول تسجيل الطلاب بالمدارس ونسبة غياب التلميذ عن المدرسة، والتواصل والتنسيق بين الأهل والمدرسة للتجنّب والحدّ من ظاهرة التسرّب.

رابعاً: تخصيص مقرّات تكون بمثابة مراكز إيواء لتحوي أطفال الشوارع المشرّدين ومجهولي الهوية والنسب، والعمل على تأهيلهم نفسياً وجسدياً وعلاجهم من الأمراض، كذلك محو أميتهم إن كانوا في سنٍّ صغير من أجل أهلية تعليمهم وزجّهم في المجتمع كأشخاص ذوي كفاءة وليسوا عبئاً.

لذا، ومن أجل حماية أطفالنا، ومن أجل مجتمع سليم خالٍ من مظاهر الخلل والتشوّه الحضاري وخاصةً فيما يتعلق بأطفالنا، نقول لكل من هو معني بقضايا الطفولة وخصوصاً الهيئات والوزارات المعنية: أنقذوا الطفولة الهاربة منهم، انزعوا من أيديهم أدوات العمل ووزعوا عليهم أقلاماً ملونة يرسمون فيها أحلامهم بوطن آمن، أبعدوا عنهم سمَّ المخدرات القاتل وقدّموا لهم حلوى شهية، ضعوا على ظهر الطفل حقيبة ملونة بدل كيس القمامة، ولتكن الحدائق لتنمية مواهبهم لا لتدمير أنفسهم، كونوا السند لطفولتنا بكل مؤسساتكم، حتى يزهر الوطن بهم ويطرب لصوت ضحكاتهم، فهم براعم جديدة يجب أن تتفتّح على الحب والخير والعطاء بعد السنوات العجاف.

العدد 1107 - 22/5/2024