متى تنتهي الهيمنة الأمريكية على منظمة الأمم المتحدة؟

رزوق الغاوي:

يبدو جلياً أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأطلسيون، على منظمة الأمم المتحدة، فيما يتصل بقضايا اللاجئين وغيرها من القضايا الدولية الشائكة، قد عطّلت إلى حدود بعيدة الأدوار المنوطة بالمنظمة الدولية للاهتمام بشؤون اللاجئين من الحروب المصطنعة وغير المبررة في العديد من البلدان وبضمنها سورية وبعض البلدان العربية والإفريقية، واحتلال أجزاء من أراضي بعضها وإرسال قطعان المرتزقة لتدميرها ونهبها وقتل شعوبها وتشريدها، تنفيذاً للخطط والسيناريوهات الخاصة بسياسات الغرب الإمبريالي ومصالحه غير المشروعة.

وفيما تدّعي الدوائر السياسية الغربية والإعلامية المأجورة لها أن البلدان المانحة، تقوم بواجباتها الخاصة بمساعدة اللاجئين حسب برامج الأمم المتحدة الخاصة بذلك، يؤكد الواقع الراهن هروب تلك البلدان من تحمّل مسؤولياتها الإنسانية وعرقلتها لتلك البرامج، والمساهمة عمداً في رفع وتيرة معاناة اللاجئين وجعلهم وسيلة للتوظيف السياسي على حساب احتياجاتهم الإنسانية الضرورية من الغذاء والدواء والرعاية الصحية والاجتماعية غير آخذين بالاعتبار أن الغالبية العظمى من اللاجئين هم من الشيوخ والنساء والأطفال.

وفي إطار عملية التوظيف السياسي تلك، بات اللاجئون (مكسر عصا)، وباتت قضاياهم رهينة للمساومات والمزايدات والابتزاز وتضارب المصالح، ما أوقع أولئك اللاجئين بين فكّي كمّاشة، بين مطرقة الغرب الإمبريالي الغليظة والمتوحشة، وسندان الأمم المتحدة مسلوبة الإرادة والتي لا حول لها ولا قوة، وأفقد المنظمة الدولية قدرتها على ممارسة مهامها الميثاقية، وعلى صيانة قرارها المستقل، الذي بات غير مستقل بسبب التسلط الأمريكي عليها، واستغلال وجود المنظمة الدولية على الأرض الأمريكية، لتفرض وصايتها عليها وفق معايير متباينة التفسير متناقضة فيما بينها لا حصر لها ولا عد.

لابد هنا من الإضاءة على حقيقة مؤلمة، مفادها أن عدد اللاجئين في المنطقة العربية بلغ أربعة وعشرين مليون لاجئ من أصل ستين مليون لاجئ في العالم، ما أدى إلى جانب الضغط الغربي على الأمم المتحدة التي تسعى لحل معضلة اللاجئين المعقدة، إلى تدهور ممنهج لحقوق اللاجئين وازدياد معاناتهم وتراجع مستوى حياتهم اليومية وانعدام آفاق مستقبل أطفالهم، في غياب إطار عربي وإقليمي لمواجهة الواقع المتردي للاجئين في المنطقة العربية.

هنا أيضاً يتكشف مدى عجز الأمم المتحدة عن ممارسة دورها في التعاطي مع قضية اللاجئين والعمل على حمايتهم من تداعيات اللجوء التي تتطلب تضامناً دولياً ومعايير منطقية للمشاركة الفعلية في تحمّل المسؤولية ومواجهة التحديات الماثلة أمام اللاجئين، والعمل الجاد والمثمر لإنقاذهم من الأوضاع المأساوية التي تحيق بحياتهم وبمستقبل أبنائهم، وذلك من خلال قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بدراسة تطوير الاتفاق العالمي المبرم عام 2018 بوضع (الإطار الشامل للاستجابة للاجئين) وتحويله ليكون أداة مُلزمة تتمتّع بآلية تنفيذية مستقلة غير خاضعة لأية توظيفات سياسية، وصولاً إلى خدمة المصالح الحيوية للاجئين عامة الآن وفي المستقبل.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثمة أمثلة دولية كثيرة تشير إلى بروتوكولات واتفاقيات إقليمية سبق تطبيقها في عدد من بلدان إفريقية وأمريكا اللاتينية لمواجهة تحديات سابقة مماثلة للتحديات الراهنة في المنطقة العربية، ما يستدعي إلى جانب ذلك قيام حملة شعبية وحكومية على مستوى بلدان الشرق الأوسط، تطالب بوضع حدٍّ للهيمنة الأمريكية على منظمة الأمم المتحدة وتحريرها من الضغوط الغربية التي تُمارسُ عليها، وخاصة في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية والأقاليم المجاورة لها إفريقياً وآسيوياً، ومن ثم توسيع إطار هذه الحملة للمطالبة بنقل المقر الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة، من بنائه الحالي على أرض في مدينة نيويورك يملكها الملياردير اليهودي الأمريكي جون روكفلر، إلى المقر الفرعي الحالي للمنظمة الدولية في مدينة جنيف السويسرية، بغية تحريرها نهائياً من التسلط الأمريكي والهيمنة الغربية عليها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024