اختلف الزمن وما زلنا تحت مسمى الرقيق

وعد حسون نصر:

على الرغم من كل الثورات التي قامت ضدّ استغلال الإقطاع والبرجوازية، لكن مازالت مظاهر الاستغلال والاتجار بالبشر قائمة إلى زمننا هذا، وتفاقمت خلال الأزمة السورية وما زالت في ظل الحاجة الماسّة للعمل والمردود المادي، ونرى مظاهر عديدة تتجسّد فيها ظاهرة الاستغلال من خلال إجبار العمال على ساعات عمل طويلة مقابل أجر لا يتناسب مع مجهود العمل. أيضاً الإعلان عن فرص عمل تتطلّب كفاءات في الوقت الذي لا يحتاج هذا العمل لمثل هذه الكفاءات وكأن الهدف من صاحب العمل إذلال أصحاب الخبرة والشهادة بلقمة عيشهم واستغلال حاجتهم الماسّة للعمل. لم يغب المشهد عن العمل داخل المنازل واستغلال بعض سيدات المنازل لعاملات الخدمة وتقاضيهن أجراً أقل بكثير من مجهود عملهن، حتى الطفل نال حصّته من هذا الاستعباد حين حُرِمَ من متعة اللعب وأحاديث مقاعد الدراسة وانخرط بسوق العمل ليكون معيناً لأهله بجهد كبير وأجر لا يكفي مذاق السكر الرائع بقطعة الحلوى.

على الرغم من اختلاف الأزمان والحقب التي تصدّت لحركات استغلال البشرية بعضها لبعض واستغلال المجهود العضلي وعدم موازاته للأجر الممنوح، لكن الظاهرة مازالت موجودة في كل القطاعات وخاصّة في القطاع الخاص قد تكون شركة كبيرة وصاحبة نفوذ وتراها تستغل جهود موظفيها تحت عدّة مسميّات، لعلّ أهمها مقولة (أنتم في شركة محترمة، أنتم كادر شركة عالمية)، ومع هذا يكون الأجر وكأنها ورشة صغيرة في أحد أزقة دمشق القديمة. فالاتجار بنا نحن البشر قديم قدم البشرية نفسها، ولطالما هناك ربُّ عمل يرى نفسه ولي نعمتنا سنبقى عبيداً نعمل من أجل لقمة عيشنا، وما دامت الحكومة عاجزة عن تأمين فرص عمل للشباب للسيطرة على البطالة سيبقى هناك استغلال للبشر واتجار بجهودهم، فلا بدَّ أن تتضافر الجهود لتوفير فرص عمل لشريحة الشباب، والعمل على استغلال الكفاءات بالمكان المناسب وخاصة في القطاعات الحكومية، كذلك الحدّ من انتشار العمالة بين الأطفال والسعي ليكونوا فقط على مقاعد دراستهم، والحدِّ من انتشار ظاهرة عودة الخدم واستغلال الحاجة الماسّة لبعض السيدات وخاصة من تفتقد أهلية تعليم وتلجأ للعمل في الخدمة المنزلية. فلكي نتحرّر من فكرة العبيد لابدّ من احترام الانسانية فينا والنظر من خلال ما نملكه من خبرات لا ما نملكه من مال، كذلك تقدير مجهود بعضنا لبعض وإعطاء العامل حقّه لقاء جهد بذله. وكي نتمتّع بمجتمع إنساني خالي من الاستغلال لابدَّ أن نبني الإنسانية بداخلنا وننطلق بها، فمن خلالها نقضي على فكرة العبودية، لأن مجتمع العبيد لا يمكن أن يُنشئ حضارة، فالحضارات تحتاج إلى أحرار فكر وأصحاء عضلات ومتقنو عمل.

العدد 1107 - 22/5/2024