التصريح.. التوقيت.. الغايات

كتب رئيس التحرير:

نعتقد أن من عدّ تصريح (أوغلو) اختراقاً لجمود الجهود السلمية لحل الأزمة السورية، كان متسرعاً.

فمتى كانت سياسات أردوغان تجاه المسألة السورية تتسم (بوجه) واحد؟! هل نسينا التصريحات العلنية عن السيادة السورية والحل السلمي، في الوقت الذي كانت تركيا فيه تجند (المجاهدين) وتتولّى، نيابة عن التحالف الدولي المعادي لسورية بزعامة الولايات المتحدة، ضخّ السلاح والمليارات لمن ارتكبوا المجازر بحق السوريين الأبرياء وأحرقوا كل ما أنجزته أيديهم وعقولهم؟

وبعد (سوتشي) وتعهدات أردوغان للرئيس بوتين بتصفية بقايا الدواعش والمنظمات الإرهابية في إدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة، هل أوفى (السلطان) بتعهداته؟

وحين بدأت العملية العسكرية في أوكرانيا، وظن أردوغان أن انهماك الحليف الروسي بمواجهة عدوانية السياسات الأمريكية وحلف (الناتو) تجاه روسيا، قد يتيح له التصرف بحرية تجاه الأزمة السورية، ألم يشهر أردوغان تهديداته بالعدوان العسكري على الأراضي السورية، وحرك قطعانه العسكرية لفرض منطقة نفوذ تركية في عمق الأرض السورية بذريعة مكافحة (الإرهابيين) الأكراد، أولئك الذين واجهوا داعش والمنظمات المتطرفة الأخرى التي كانت تحرك وتمول وتسلح من قبل تركيا، وقدّموا آلاف الشهداء؟

أي اختراق في تصريح (أوغلو)، ونحن نعلم أن جهود التسوية السلمية التي تقودها روسيا تفترض تقريب وجهات النظر في بعض المسائل، وتوسيعها شيئاً فشيئاً بين الأطراف المتداخلة في الأزمة السورية، ومنها بطبيعة الحال تركيا أردوغان.

أما اختيار توقيت بث تصريحات (أوغلو) في هذه الفترة، فلا علاقة له، كما ظن البعض، بالتجاوب السريع مع اقتراحات بوتين بتدوير الزوايا مع الدولة السورية، بل جاءت لتتناغم مع الجهود الأمريكية التي تبذل اليوم لعرقلة أي حوار وتنسيق بين الحكومة السورية و(الإدارة الذاتية) و(قسد) بهدف التصدي للعدوان التركي المرتقب على الأرض السورية.

نكرر للمرة الألف: لن نثق بأردوغان (عرّاب) الغزو الإرهابي الفاشل على سورية، أردوغان الذي يسعى اليوم لتغيير ديمغرافي في إدلب وعفرين، ويستولي على ممتلكات السكان، ويفرض القوانين التركية ويسلط إرهابييه على رقاب المواطنين السوريين في الشمال السوري.

أردوغان الذي يواجه قريباً معركة انتخابية غير مضمونة النتائج، يسابق الزمن لضمان تفوقه، في الوقت الذي تواجه فيه تركيا أوضاعاً اقتصادية صعبة. وتتساءل فيه العديد من وسائل الإعلام التركية عن جدوى التورط العسكري التركي في سورية، لذلك لن نستغرب تصريحات أخرى مماثلة لتصريحات (أوغلو) الأخيرة، لامتصاص الضغوط التي يواجهها أردوغان في الداخل.

المطلوب اليوم من (الإدارة الذاتية) و(قسد) والأحزاب والقوى الكردية، عدم الخضوع للإملاءات الأمريكية، والإصرار على استمرار اللقاء والحوار والتنسيق بين ممثلي الحكومة السورية و(الإدارة الذاتية) و(قسد) من أجل مواجهة العدوان التركي ، وبسط سلطة الدولة على جميع المناطق والثروات السورية، والتوافق على حل “المسألة الكردية” استناداً  لمبادئ الديمقراطية وحقوق المواطنة مع الأخذ بالحسبان حقوق الشعب الكردي بالحفاظ على ثقافته ولغته.

كنا وسنبقى مع استمرار بذل الجهود من أجل إنجاح المساعي المبذولة لحل الأزمة السورية عبر الطرق السياسية، وفي الوقت ذاته جمع كلمة السوريين عبر حوار وطني شامل يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية ، من أجل حشد جميع الطاقات لمقاومة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي بجميع أشكال المقاومة، وبضمنها المقاومة المسلحة.

لن نثق بأردوغان.

العدد 1105 - 01/5/2024