تضخم التكلفة

د. عامر خربوطلي:

تحدثنا سابقاً عن التضخم كمفهوم وتعريف وأسباب ونتائج، وما يحدث حالياً في الاقتصاد السوري هو تضخم في التكاليف أكثر من كونه تضخماً بالطلب، لسبب بسيط أن الدخول الفردية تتراجع نسبياً كقوة شرائية مع ارتفاع في الأسعار، وهذا التناقض لا يفسره سوى ظاهرة (التضخم بدفع التكاليف) التي تتجلى بوضوح عندما يكون هناك زيادة في أسعار مدخلات الإنتاج والخدمات المختلفة (طاقة – مواد أولية – أجور …. ) مما يؤدي إلى انخفاض في المعروض السلعي والخدمي نتيجة ذلك، وهنا يصبح الطلب أكثر من العرض، أي أن ارتفاع عناصر التكلفة تؤدي لانخفاض في تدفقات العرض ومع بقاء الطلب مستقراً تزداد الأسعار ويرتفع التضخم، لأن التضخم أساساً هو خلل أو فجوة ما بين تدفقات الطلب المعبر عنها بالكتلة النقدية وتدفقات العرض المعبّر عنها بالكتلة السلعية أو الناتج المحلي.

والتضخم بدفع التكاليف ينجم أيضاً عن عدم وجود حالة تنافس في الأسواق ونضوب الموارد الطبيعية أو تراجع إنتاجها مع ارتفاع في تكاليف العمل الزراعي أو الصناعي أو التجاري، ففي هذه الحالة ترتفع الأسعار وتدخل الاسواق في دوامة الركود وضعف المبيعات الشديد، وتبدأ مع السلع غير الأساسية وتصل لاحقاً إلى السلع الأساسية وحتى الضرورية.

الفجوة اليوم كبيرة ما بين الدخل ونفقات المعيشة للنسبة الأكبر من شرائح المجتمع السوري، وكلما ازداد التضخم وارتفعت الأسعار انخفضت القيمة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود الذين لا يستطيعون الضغط لزيادة أجورهم، مقابل قدرة أصحاب الدخل غير المحدود على موازنة أية ارتفاعات في عناصر التكلفة المحلية التي تحدثنا عنها على أسعار السلع والخدمات المقدمة من قبلهم، ولكن إلى متى سيستمر ذلك؟

سوف تتراجع المنتجات المعروضة وتتضاءل الاستثمارات لأن الأسواق ستكون غير جاذبة للمزيد من العرض السلعي، إنها حالة نفق لا نهاية له، ولن يأت الضوء إلا من خلال خلق التوازن ما بين العرض والطلب، وما بين الدخل ونفقات المعيشة، وما بين الاستهلاك والاستثمار، وما بين الإصدار النقدي والناتج المحلي، إنها نقطة البداية ولكنها هي النهاية.

 

 

العدد 1104 - 24/4/2024