ابن عناق وطبق معكرونة!

محمد هلال:

منذ خمسة عشر عاماً، ولا أذكر السبب أو المناسبة، ولكني أذكر جيداً قصة روتها لي جدتي عن رجل عملاق يدعى الأعوج بن عناق، سقط مرةً في البحر ولم يكن هنالك قوة في العالم تستطيع رفعه أو تحريكه ليعود إلى اليابسة، فقبل بالأمر الواقع وقضى ما تبقى من عمره مستلقياً في البحر يمسك حوتاً من حيتانه كلما أدركه الجوع ويرفعه إلى عين الشمس فيشويه ويأكله.

انتهت القصة إلى هنا وأعجبتني جداً آنذاك كأي طفل تستهويه الأساطير، ولكني لم أعرف حينها السبب الذي جعل جدتي تروي لي قصة هذا الرجل، فاليوم عندما اشتدت شمس الظهيرة، وضعت طبق المعكرونة على الغاز الصغير الذي يستخدم عادة لتسخين إبريق المتة، لكنه تحول مؤخراً إلى فرن نطبخ باستخدامه أحمض ما لدينا، وما هي إلا ثوان معدودات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ودمر مخططاتي لوجبة الغداء المنتظرة، ماذا سأفعل وقد مضى أكثر من ثلاثة أشهر على استلامي آخر أسطوانة غاز، أما الكهرباء فلم نلمحها اليوم ولا أظنها ستأتي، فكيف سأسخن المعكرونة؟

تذكرت فجأة جدتي وعملاقها الأسطوري وصرخت مثل أرخميدس عندما اكتشف دافعته (وجدتها!) نعم وجدتها، صحيح أنها فكرة مجنونة لكنها فكرتي الوحيدة، حملت الطبق وخرجت إلى أرض الديار وكلي أمل أن الشمس التي شوت الحوت لابن عناق لن تعجز عن صحن معكرونة، وضعته تحت أشعتها اللاهبة وعدت مسرعاً إلى المطبخ أراقبه من النافذة، وما هي إلا بضع دقائق حتى بدأ البخار يتصاعد منه، استرجعته بسرعة البرق وأنا أشكر الرب لأنه سلّم لي محتوياته ولم تحترق، ثم تناولته بشهية ومتعة لأني الآن أول بشري في القرن الحادي والعشرين يجرّب وصفة على طريقة شيف مضى على موته ثلاثة آلاف عام وربما أكثر كما تقول الأسطورة، تخيل ما كان سيحصل لو أنه عاش إلى زمن اليوتيوب، وكيف سيستطيع الشيف بوراك أو الشيف عمر منافسته إذا ما بدأ بتقديم أطباق أثرية لا يعرفها غيره في العالم مثل الفول على طريقة الفراعنة أو البامية على الطريقة البابلية أو حتى الجظ مظ على طريقة قوم عاد، ولكن بعد هذه التخيلات وقبل انتهائي من وجبتي سألت نفسي السؤال الأهم: ماذا لو أن ابن عناق هذا سقط معي في هذا المستنقع، كم حوتاً كان سيلتهم قبل أن يموت يا ترى؟

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024