زيارة بيلوسي.. تايوان على صفيح ساخن

سامي أبو عاصي:

في مساء يوم الأربعاء الفائت أقلعت الطائرة العسكرية الأمريكية الحاملة على متنها رئيسة مجلس النواب الأمريكي متوجهة إلى تايوان، وأثناء مسار الرحلة كان هناك ما يزيد على ثلاثمئة وخمسين ألف متابع يرصدون توجهها، حسب أحد المواقع المتخصصة بحركة الملاحة الجوية.

وبينما كانت الطائرة تقترب من المنطقة التايوانية، كانت أربع سفن حربية أمريكية ومن بينها حاملة طائرات، تتحرك في المياه المحيطة بالجزيرة، قابلها على السواحل الصينية تحرك منظم لجيش التحرير الشعبي الصيني، فقد وجهت صواريخه وتحركت مدرعاته وكان بانتظار إشارة البدء.

بيلوسي قبل وصولها إلى تايوان كانت قد نشرت مقالاً في صحيفة (واشنطن بوست) أبرزت فيه دوافعها لإجراء الزيارة، متضمنة دفاعها عن حرية تايوان، ودعم الولايات المتحدة لها، وتمتين المصالح المشتركة بين الطرفين. وقد كان الجانب الصيني قد استبق زيارة بلوسي بالإعلان الواضح أن العواقب سوف تكون وخيمة في حال تم تنفيذ الزيارة، وأن هذه الخطوة تشبه اللعب بالنار، وأن الصين لا يمكن أن تقبل المساس بسيادتها.

التصريحات الحادة التي صدرت عن الجانب الصيني أوحت للعديدين بأنها ذاهبة باتجاه حرب عسكرية مفتوحة لإعادة توحيد تايوان، ولكن رد الفعل الصيني كان منساقاً مع المنهجية المتعبة عبر عقود في السياسة الصينية، والتي لا يبدو في الوقت القريب أي تغيير سوف يطولها. فلقد أعادت الصين ضم هونكونغ بعملية سلمية تدريجية، دون أن تُراق نقطة دم واحدة، وعالجت خلال السنوات التي تلت عملية التوحيد الكثير من المشاكل المرتبطة بالاختلافات الكبيرة بين شكل النظام السياسي الذي كان قائماً في هونكونغ، والنظام السياسي الذي تتبناه بكين.

حاولت الولايات المتحدة أن تُعيد السيناريو الذي اتبعته في أوكرانيا، وذلك بتخفيها ودفعها حليفها زيلنسكي لأن يكون بوابة الصدام مع موسكو، وما تصريحات بايدن سابقاً بأن   الولايات المتحدة سوف تقف الى جانب تايوان في حال اتخذت الصين الخيار العسكري للتوحيد ما هو إلا شبيه بذلك الذي كانت تروجه إدارته قبيل الحرب الروسية – الأوكرانية.

لذلك فإن هذا السيناريو كان مكشوفاً للصين، وعبرت عنه المتحدثة باسم الخارجية الصينية بأن الرسائل والممارسات التي تبعثها الإدارة الأمريكية ما هي إلا لتغذية النزاع ولتقوية الروح الانفصالية لدى الجانب التايواني، وهذا لن يؤدي إلى الاستقرار في المنطقة. وفي مناورتها العسكرية (التي اتخذت طابع المحاكاة الفعلية للحرب) التي أجرتها على مدار أربعة أيام حول مضيق تايوان كانت الصين تؤكد أنها ليست عاجزة عن الفعل العسكري، بل هي قادرة عليه، ولديها كل العوامل التي تؤهلها للتفوق فيه، وكانت هذه الأيام القليلة كافية لأن تبرهن بأن التوتر في منطقة المضيق سوف ينعكس سلباً على الجميع، وخاصة تعطل الحركة التجارية، وإلغاء العديد من الرحلات الجوية التي تعبر سماء هذه المنطقة.

العلاقات الصينية الأمريكية

أدركت الصين مبكراً أن تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة الذي بدأته الإدارة الأمريكية   في مطلع السبعينات لا يمكن أن يُبنى إلا بموجب شروط يلتزم وفقها الجانب الأمريكي بمبدأ الصين الواحدة، وبناء عليه فلقد وقع الجانبان (البيان الصيني – الأمريكي المشترك) في 28/ 2/1972 الذي اعتبر بداية لكسر الجليد، تلاه (البيان الصيني – الأمريكي المشترك حول إقامة العلاقات الدبلوماسية) في 16 /12/ 1978، وجاء (بيان 17 أغسطس الصيني- الأمريكي المشترك) في 17/8/1982 الذي تمحور بشكل رئيسي حول قضية تايوان، وتعهد الجانب الامريكي بتخفيض مبيعات الأسلحة لتايوان بشكل تدريجي وذلك في سبيل حل نهائي لهذه القضية ضمن إطار الصين الموحدة.

على أرض الواقع لم يتغير السلوك الأمريكي بل أخذ منحى النكوص عن تعهداته السابقة وخاصة مع انهيار الاتحاد السوفيتي. وشهدت العلاقات الأمريكية الصينية توترات في فترات متباعدة كانت في أغلبها تدور حول مسألة تايوان. ففي صيف 1995 ارتفعت حدة المواجهة بين الجانبين وكان واضحاً من حينها إن الجانب الصيني متيقظ تماماً للنزعة العدوانية الأمريكية. ويشير كل من (دانييل بورشتاين) و (أرنيه دي كيزا) مؤلفي كتاب (التنين الأكبر) عن لقاء جمعهما في ذلك الحين مع مجموعة من صناع القرار في الصين ممن كانوا يضعون الاتجاهات الاستراتيجية للصين على مدى القرن الحادي والعشرين. وتساءل المؤلفان: (قلتم إنكم من بين الجماعات القليلة التي تعمل جاهدة لحسم عدد من القضايا الحرجة المتعلقة بالصين ومستقبلها خلال القرن الحادي والعشرين، ترى ما نوع المفاهيم الجديدة التي تدرسونها؟ هل من أمثلة لبعض أفكاركم الجديدة؟ أتونا بمثال عن الاتجاهات المتعلقة بالمستقبل الذي حددتم معناه؟ كانت الإجابة مباشرة وفورية، وفي صيغة يقينية: (إن الولايات المتحدة ستكون هي عدو الصين).

مآلات الزيارة: 

–        مما لاشك فيه أن الخيارت أمام الجانب الصيني ما تزال مفتوحة. والتضييق الاقتصادي على حركة الاستيراد والتصدير من وإلى تايوان أحد هذه الخيارات التي بدأ باعتمادها الجانب الصيني والتي يمكن أن تأخذ منحى أكثر تصعيداً بإعاقة حركة الملاحة عبر المضيق.

–        إن الموقف السلبي الذي اتخذته مجموعة الدول السبع بإدانتها للمناورات العسكرية الصينية، دون إدانة المسبب لها والمتعلق بزيارة بلوسي، سوف يساهم أيضاً في تقارب المحور الروسي- الصيني وهذا قد يكون له منعكسات على الحرب الروسية – الأوكرانية.

العدد 1105 - 01/5/2024