أبناؤنا ليسوا ملكنا.. فلندعهم أحراراً!

إيمان أحمد ونوس:

تقوم التربية الأسرية في مختلف المجتمعات، على ما يحمله الأبوان من ثقافة وقيم أخلاقية ومجتمعية يريانها الأساس في تشكيل وعي ومفاهيم الطفل التي ستجعل منه وفق منظورهما هذا إنساناً يتمتّع بالتفكير الإيجابي السليم والصحيح الذي يؤهّله لخوض غمار الحياة بأقلّ العثرات والخيبات، مُتجاهلين حتمية التغيير وتطور الفكر الإنساني وتجدّده بما يتناسب مع تطور الثقافات والعلوم. ومجتمعاتنا بالتأكيد تتمترس أكثر من غيرها خلف ما تحمله من قيم دينية واجتماعية وأخلاقية تراها الأساس في إثبات هويتها بين الأمم والشعوب، لذا تقوم التربية فيها على أُسس عقائدية تتراوح ما بين الديني والسياسي غالباً، ونادراً ما تكون حداثية تعتمد حرية الطفل وحقّه في إبداء رأيه بما تطرحه أو تُمليه عليه من قيم وثقافة وسواها، أو تستحث تفكير الطفل باتجاهات متنوعة.

لهذا نجد أننا ما زلنا أفراداً تابعين للنظام الأبوي بمختلف اتجاهاته الدينية والاجتماعية والسياسية ووو..الخ، لا نستطيع الخروج من شرانق تشعّبت حولنا فخنقت كل إمكانية للتفكير أو النهوض من واقع لا يتناسب ومعطيات العصر الحديث بكل ما فيه من تقنيات وعلوم وثقافات تفرض ذاتها علينا وبقوة، من خلال عالم افتراضي رقمي دخلناه دون أن نتمكّن من امتلاك ناصية كل مفرداته ومعطياته التي لا شكّ لو تملّكناها لتحررنا من أغلب شرانقنا القاتلة. وهذا لا يمكن أن يحدث إن لم نخرج من عباءة القيم والمفاهيم والعقائد البالية الراسخة والمُتجذّرة حين نعمل على تربية أبنائنا، لأن أولئك الأبناء لاسيما اليوم، لا يمكنهم الخنوع طويلاً بعدما فُتِحَت أمامهم أبواب وفضاءات العالم الواسع والشاسع إن كان من خلال العالم الرقمي أو من خلال الاختلاط الذي حدث نتيجة اللجوء والهجرة القسرية التي فرضتها الحروب والنزاعات المحلية، فهذا الاختلاط بثقافات وشعوب سبقتنا بأشواط في التربية المُتحرّرة من كل القيم والعقائد المقيّدة لحرية الإنسان سيترك أثره ولا شكّ على الأجيال القادمة التي قد تتبنى مفاهيم مُخالفة ومُغايرة للسائد القائم والمُتجذّر في مجتمعاتها الأصلية. ومن هنا لا بدّ لنا آباء ومُربيّن في كل الأماكن التي يوجد فيها الأبناء أن نتخلّص من عقدة إثبات وترسيخ هويتنا التي نتوهم أن الآخر يسعى لتشويهها لأسباب لسنا بصددها الآن، كي تكون التربية الأسرية والمجتمعية تربية حرّة تفتح الآفاق واسعة أمام تفكير ووعي أبنائنا الذين لا يمكن أن يكونوا ملكاً لنا.. لأنهم أبناء الحياة، كما قال جبران خليل جبران.

العدد 1105 - 01/5/2024