نحن أبناء بيئتنا

وعد حسون نصر:

نحن أبناء بيئتنا.. فلا أحد منّا أختار أبويه، ولا دينه، ولا حتى مكان نشأته، ولا معتقده، أتينا إلى هذه الدنيا أبناء أسرة منتمية إلى طائفة ما، وبيئة ما، نرث منها كل ما تملك من انتماءات، تربّينا على مبادئها وتعلمنا عاداتها وعادات المجتمع الذي انتمينا اليه، تخلينا عن أشياء بسيطة في كبرنا لكن لم نتخلَّ عن القيم الأساسية لدرجة أننا عندما فكّرنا في الارتباط وتأسيس أسرة كُنّا أشبه بعض الشيء بآبائنا، حتى في تربية أطفالنا بالرغم من تذمّرنا من مفهوم الأهل للتربية، إلاّ أننا اكتسبنا بعض هذه المفاهيم بلا شعور وبدأنا نطبّقها على أسرتنا الصغيرة.

قد تكون نظرتنا إلى الواقع خاطئة من حيث فرض معتقدنا وديننا وأفكارنا السياسية والاجتماعية، وحتى توجّهنا الحزبي على أفراد أسرتنا ومن حولنا، لأننا لا نستطيع تجاهل أننا نشأنا في مجتمع كل أفراده متمسكون بفكرة انتمائهم، وإن حاولنا التّخلّي والعيش بمرونة نصبح وكأننا حالة شاذّة، لتتفاقم فكرة التحدّث بلهجة العصبية القبلية والتمسّك بمبدأ الطائفة، حتى التوجّه السياسي خلال سنوات أزمتنا، فلم نكتفِ بالتصعيد اللفظي، بل رحنا نُخوّن ونوجّه أصابع الاتهام ونحاكم على مبدأ عشائري، وإن حاولنا جميعاً التصرّف على مبدأ أممي وبمنهج مدني نرى أنفسنا بلحظة غضب عدنا إلى جيل القبيلة الأول، لنردح بالشتائم على غيرنا، فنحمله سبب البلاء الذي باتت عليه البلاد، فلولاه ولولا جماعته لما وصلنا إلى هنا. ولطالما هناك منابر دين تمتثل إليها نسبة كبيرة منّا، وكذلك يقابلها منابر خطابات فكرية وسياسية وحتى شعرية وشعارات طنّانة رنّانة وروّادها نسبة لا بأس بها، سوف نبقى تحت رحمة المنابر وخطبائها، وبأيّة لحظة ستولد روح القبيلة بداخلنا لأننا نشأنا في مجتمع ورثنا أفكاره كأي مخطوط عائلي، وحتى إن حاولنا التّخلّي عنه، فالآخر بعصبتيه المُتجذّرة سوف يُعيدنا إليها ويُذكّرنا بها، مع العلم أنه من الخطأ أن نُلقّن أبناءنا مورثات أهالينا الخاطئة، وعلينا أن نترك لهم اختيار ذواتهم بعيداً عن ذواتنا المُشبعة بمنطق القبيلة، وإن كان هذا الجيل للأسف جيل أزمة جعلته يشرب مع الحليب مفهوم التخوين، لكن علينا نحن أن نعيده للوطن الواحد فهو يتسع للجميع، وما الاختلاف إلاّ ألوان ترسم ملامح هذا الوطن.

العدد 1107 - 22/5/2024