تخبّط في وزارة التربية.. من يتحمل المسؤولية!؟

رمضان إبراهيم:

كان السعي فيما مضى على أيامنا في الثمانينيات والتسعينيات وحتى الألفين وخمسة لاقتحام مجال التدريس، على اعتبار أن هناك ثلاثة أشهر في الصيف مدفوعة الأجر، عندما كان هذا الأجر أو ما يسمونه راتباً شهرياً يكفي مع القليل من التقشف، وبالتفاتة بسيطة إلى الخلف نجد ان الـ ١٠٠ ليرة سورية من هذا الأجر كانت تكفي لشراء خمس علب متة أو عشر سندويشات فلافل، في حين ثمن خمس علب متة اليوم هو ٢٥ ألف ليرة وثمن سندويشات الفلافل المذكورة ٢٠ ألفاً!!

ولكن في كل عام وخلال شهر حزيران تكون فترة امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، ويجري تكليف أغلب المعلمين بالمراقبة، وينبغي على المعلم أن يبقى ساعتين أو ثلاث ساعات واقفاً لا يحقّ له فيها الجلوس على الكرسي أبداً.

نعم، ثلاث ساعات متواصلة هكذا، لا يحقّ لك إلا شرب الماء، ويحقّ لك فيها الذهاب إلى الحمّام مرة واحدة!

بعد انتهاء المراقبة نأتي إلى الشهر السابع وهو شهر تموز، وفيه تُستكمل عمليات التصحيح.

لكم أن تتخيلوا عدد المعلمين في قاعة واحدة، منكبّين على أوراق التصحيح دون التفكير بصحتهم، يعملون في ظروف أبعد ما تكون عن الظروف الإنسانية، حيث الحر والغيظ والرطوبة ولا كهرباء، بالتالي لا مراوح ولا مكيفات. إن الصورة لمجموعة من الأساتذة يصححون مساءً على أضواء فلاشات الموبايل؟ عدا ذلك، تخيلوا تلك المسؤولية التي يحملها كل معلم على كاهله، إنه يضع كل تركيزه فيما يصححه حتى لا يظلم أيّ طالب أبداً، وهذا يرتب عليه الضغط النفسي والجسدي الناتج عن ذلك، وإن حصلت أخطاء، وفي كل عمل أياً كان تحصل أخطاء، إن حصلت أخطاء فهي لا تحصل بسبب عدم الكفاءة والإهمال، إنما تحصل بسبب التعب والإرهاق، ولا تنسوا الضغط الذي يتعرضون له من قبل مسؤوليهم الجالسين في مكاتبهم المكيفة، والذين لا يتحركون إلا في سياراتهم المكيفة، حتى ينهوا العمل.

أنا أفهم ضرورة الإسراع في إصدار نتائج الشهادة الثانوية، لكن لماذا ذلك الإسراع والتخبط، والذي كان نتاجها التسرع والتهور في إصدار نتائج الشهادة الاعدادية؟!

نأتي إلى الشهر الثامن، شهر آب، حيث الدورة التكميلية مراقبةً وتصحيحاً، ودورات التقوية ودورات السبر وغيرها، علماً أنه خلال كل ما ذكرناه أعلاه وحتى الآن يأتي أغلب المعلمين من القرى إلى مراكز المدن، يقطعون مسافات طويلة مع ما يرافق ذلك من مشقة كبيرة في التنقل بسبب الأوضاع القاسية التي يجب أن نكون نعرفها جميعاً، ويبدو أن هذه الأوضاع لا تعرفها الوزارة المعنية، ولا يريد أن يعرفها أغلب الناس.

وإذا عرفنا أن الأجور التي يتقاضاها المعلمون عن كل يوم عمل مما ذكرناه سابقاً، وهي لا تكفيهم أن يشتروا سندويشة فلافل أو قنينة ماء، نعم، أيها السادة، لاتكفي لشراء سندويشة فلافل ذات الأربعة أقراص.

وبما أنني أحسن الظن، فأنا أعتقد أن فكرة الناس والوزارة المعنية عن المعلمين، أن هؤلاء المعلمين ينتمون إلى فصيلة (الجمال)، أو أنهم يعيشون على التركيب الضوئي.

قررت الوزارة هذا العام أن يكون بدء العام الدراسي القادم هو الرابع من أيلول، لاسيما بعد أن نال المعلمون القسط الكافي من الراحة ويحضرني سؤال الآن:

ترى ما هو الفارق لو أن بداية العام الدراسي كانت نهاية شهر أيلول أو بداية شهر تشرين الأول؟ أما حان الوقت لنحاكي في خططنا وقراراتنا الواقع على الأرض؟؟

أيعقل أن أي قرار هو ليوم واحد أياً كان الظرف؟ سيقول البعض أن هناك خطة وأي خطة ستنفع والصفوف مكتظة والحرارة والرطوبة عالية ولا توجد أي وسائل تبريد والجو خانق جداً؟ بالله عليكم أتتوقعون أن الطلاب سيفهمون؟ أو أن المعلمين سيتمكنون من الإعطاء؟!

العملية التعليمية لا تدار وأنت تجلس في برج خليفة ولا تدار والغاية كسب النقاط والتقاط الصور، لا تدار لتحصيل مجد شخصي.

أخيراً

ما حدث من حجم الاعتراضات والأخطاء الكبيرة كارثي، وكان على الوزير وفريقه الحكومي أن يستقيل أو يعتذر، لكنه أكرمنا بالتبريرات التي هي أكبر من الذنوب.

 

العدد 1105 - 01/5/2024