قمة متعثّرة ونتائج متواضعة

د. صياح فرحان عزام:

في إطار مساعي الرئيس الأمريكي بايدن إلى حشد المزيد من الداعمين الجدد في القارة اللاتينية لمواقف التحالف العربي وسياساته في العالم، استضافت مدينة لوس أنجلس الأمريكية قمة لزعماء أمريكا اللاتينية استمرت أسبوعاً، وقد جاءت هذه القمة في ضوء اشتداد ضراوة الصراع الغربي ضد روسيا، والتجاذبات والتحذيرات ما بين واشنطن وبكين بسبب الاستفزازات الأمريكية المستمرة للصين في تايوان وغيرها من المناطق.

في الوقت نفسه، يهدف بايدن من عقد هذه القمة إلى تحييد حلفاء الولايات المتحدة وخصومها الظاهرين والمحتملين وإخراجهم من حلبة الصراع، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف الخصوم، مع بذل الجهود لحسم خيارات الدول المحايدة في الصراع، والحصول على ولائها وتأييدها لأمريكا والغرب عامة، وذلك عن طريق التهديد تارة والإغراء والحوافز أحياناً أخرى.

لقد قام بايدن، بأسلوب خبيث، بدغدغة مشاعر زعماء أمريكا الجنوبية المشاركين في القمة، بالتطرق في كلمته الافتتاحية إلى هموم القارة الأشد حساسية مثل (قضايا الهجرة، وتفشي الفقر وضعف التنمية، وانتشار العنف، والكوارث الطبيعية الناجمة عن المناخ)، متناسياً أو متجاهلاً أن غالبية هذه القضايا والمشاكل تقف وراءها الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

– الأمر اللافت للنظر في هذه القمة هو مشروع الشراكة الاقتصادية مع دول القارة الذي عرضته واشنطن ليكون بديلاً للاستثمارات الصينية في القارة، وما من شك في أن هذا المشروع هو محاولة أمريكية لتحدّي النموذج الصيني، وإحكام هيمنة واشنطن على القارة الجنوبية. ومما قاله بلينكن وزير الخارجية الأمريكية في القمة (إن إدارته ستضغط لإجراء إصلاحات جوهرية- كما أسماها- في بنك التنمية للبلدان الأمريكية، والذي تعد فيه واشنطن أكبر مانح، ليساعد الدول ذات الدخل المتوسط لتستحق قروضاً ميسّرة. أما نائبة الرئيس كامالا هاريس فأكدت عزم واشنطن على جذب الاستثمارات لأمريكا الوسطى من القطاع الخاص، مدعية أن بلادها يهمها استقرار جيرانها وازدهارهم، بما يقود إلى معالجة الهجرة وغيرها من المشاكل التي تعانيها.

كما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستستقبل 20 ألف لاجئ من أمريكا الجنوبية في عامي 2023 و2024، أي ثلاثة أضعاف عدد اللاجئين الذين استقبلتهم هذا العام.

والسؤال المهم: هل كانت خطة بايدن لاحتواء القارة الجنوبية ومواجهة التغلغل الصيني فيها حسب التسمية الأمريكية، هل كانت الخطة فعالة في تحقيق أهدافها؟

بداية نذكر بحقيقة تاريخية هي أن الولايات المتحدة أعلنت منذ قرنين من الزمن أن القارة الجنوبية هي حصراً منطقة نفوذ لها (أي لأمريكا)، وذلك بموجب المبدأ الذي أرساه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو، وبالتأكيد في هذا الإطار، جاء رفض الرئيس بايدن مشاركة ثلاث من دول القارة الجنوبية في اجتماعات القمة، وهي الدول ذات التوجهات التحررية الاشتراكية والرافضة للهيمنة الأمريكية عليها، وهي كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا.

واحتجاجاً على هذا الاستبعاد غير المبرر والعدواني في مغزاه وأهدافه، قاطع رؤساء المكسيك وبوليفيا وهندوراس القمة المذكورة، كما اختار رئيس غواتيمالا عدم حضورها.

بطبيعة الحال، هذه الخطوة الأمريكية باستبعاد الدول التي لا تسير في ركاب سياسة واشنطن من جهة، ورد الفعل الأمريكي اللاتيني أو الجنوبي من جهة ثانية، أعطيا لهذه القمة صورة القمة المتعثرة، وأكد العديد من الخبراء والمتابعين لها أن نتائج القمة كانت متواضعة إلى حد كبير، على الرغم من حجم المشاركة الواسعة فيها، والآمال التي كانت الإدارة الأمريكية تعقدها عليها.

 

العدد 1105 - 01/5/2024