خطوة تركية باتجاه التصعيد تتلوها خطوتان إلى الوراء

رزوق الغاوي:

لا تزال العملية العسكرية التركية التي يهدّد الرئيس التركي رجب أردوغان بتنفيذها ضد (قسد) في منطقتي منبج وتل رفعت، مدار جدل وبحث وحوار وحسابات لدى كثيرين، على ضوء الأهداف التركية التكتيكية والاستراتيجية، وتضارب آراء ومواقف وتضاد رغبات ونيات ومصالح الدوائر المحلية والإقليمية المشروعة منها وغير المشروعة القريبة أو البعيدة، وما هو معلن شكلاً وما هو مستتر مبيت ضمناً.

انطلاقاً من هذا الواقع المعقد والمتشابك، يمكن ملاحظة مدى ارتباك الموقف التركي وتأرجحه بين عزمه على بدء العملية العسكرية تارة وتردده أخرى، وخاصة في حال تنفيذها قبل الانتخابات الرئاسية التركية وحسابات الربح والخسارة فيها، أو في مجال انعكاساتها السلبية سواء قبل تلك الانتخابات أو بعدها على المحيط الإقليمي القريب والمنظور الذي يعيش حالة من التوتر القابل للتصعيد أكثر مما هو عليه الآن.

ولابد في هذا المجال الإشارة إلى أن أنقرة كلما خطت خطوة واحدة إلى الأمام باتجاه التصعيد، تتلوها بخطوتين إلى الوراء نحو التهدئة ما يؤكد خشيتها من أن لا تؤتي عمليتها العسكرية حسب ما تهدف إليه، فينقلب سحرها عليها، وتتدحرج الأمور في المحيط وحوله إلى ما لم يكن في الحسبان، وتدخل المنطقة في  دوامة من الصراعات لا أحد يعرف ماهي حدودها، وتكون تركيا الأكثر عرضة للخطر بسبب ارتدادات ما يجري على أمنها وحدودها، وخاصةً لجهة معرفة من الذي سيقف إلى جانب تركيا للوصول إلى غاياتها، ومَن الذي سيحول دون تحقيق تلك الغايات؟

وثمة سؤال يفرض نفسه: هل بإمكان أنقرة تجاهل موقف واشنطن التي تستمر في دعم المجموعات التابعة لقوات سورية الديموقراطية ضد حليفتها الأطلسية؟ والجواب هنا أن البنتاغون لن يسمح باستخدام السلاح الأمريكي ضد القوات التركية حليفة أمريكا داخل حلف شمال الأطلسي، ومن شأن هذا إرضاء تركيا من جهة، وإغضاب قسد التي ستجد مصلحتها في التنسيق مع القيادة السورية لمواجهة القوات التركية وتسليم منبج وتل رفعت للقوات السورية من جهة ثانية، ويتزامن ذلك مع تأكيد دمشق أن ممارسات النظام التركي في المنطقة من شأنها إلحاق أضرارٍ كبيرة بكلّ بلدانها.

وترى دوائر متابعة أن ثمة خياراً ينبغي على (قسد) اعتماده، من خلال التوجه نحو دمشق بعد إنهاء تنسيقها مع الإدارة الأمريكية التي ستضحي بها وتنقلب عليها، وتأخذ درساً من مجمل نتائج إقامة علاقات صداقة سابقة مع واشنطن التي لا تلبث أن تنتهي بالتخلي في وقت من الأوقات عن أصدقائها حين تتطلب مصالحها الإمبريالية ذلك.

 

العدد 1104 - 24/4/2024