حبّ الذات البعيد عن الأنانية خيار لا بدّ منه

إيمان أحمد ونوس:

لا شكّ أن نظرتنا إلى أنفسنا وذواتنا نابعة من سمات شخصيتنا التي شكّلتها التربية الأسرية والمجتمعية، وبقدر ما تكون هذه التربية قائمة على أساس من الحب والحرية واحترام شخصية الطفل، بكل ما فيها وما هي عليه، تكون نظرتنا إلى أنفسنا إيجابية لاحقاً، بمعنى أن نحبّ أنفسنا وذواتنا بكل ما فيها، وأن نقبلها كما هي وبكل تناقضاتها التي يفرضها وجودنا في مجتمع يعجُّ بالمتناقضات والاضطرابات النفسية والقيمية والسلوكية، خاصّة أننا في زمن التخبّط والتيه الذي فرضته أساليب الحياة العصرية، مثلما فرضته الأحوال المعيشية والأمنية التي تُعاني منها مجتمعاتنا بسبب المتغيّرات والنزاعات والحروب بكل ما فيها وما عليها من تبعات في العقد الأخير من الألفية الحالية. وهذا ما قد يجعلنا نتوه للحظات عن ذواتنا وما تحتاجه أو ما تُعانيه، فنعيش بعض المشاعر السلبية الرافضة ربما لوجودنا في هذا الزمن أو المكان، وهنا لا شكّ سنعاني حالة من العزلة أو الاغتراب عن الواقع والمحيط بما يُعزّز النظرة السلبية إلى الذات، وبالتالي انتقال هذه النظرة إلى الآخرين الذين لا نرى فيهم إلاّ أحد أسباب اغترابنا وتغرّبنا باعتبارهم المسؤولين عمّا آلت إليه أحوالنا، مُتناسين أنهم مثلنا بشر يمتلكون القدر ذاته من تلك المشاعر نحونا، ومن أنفسهم أو تجاهها بما يفرضه تعاملنا معهم أو نظرتنا إليهم.

وعليه، فإن ما نرى الآخرين عليه نابع بالتأكيد من نظرتنا إلى أنفسنا سلباً أو إيجاباً، فيكون حبّنا لما حولنا وللآخرين نابع بشكل أو بآخر من حبنا لذواتنا ذلك الحب المتمثّل في قبولنا لأنفسنا كما هي وبكل ما تتصف أو تتميّز فيه سواء من حيث الشكل أو المضمون، لأننا حين نتقبّل تلك الذات على هذا النحو ونحبها، لاشكّ أننا سنسعى لتطويرها وتشذيبها ممّا قد يعلق بها من سلبيات أو هفوات تفرضها مسيرة الحياة والشخصية، مثلما نعمل على دعمها بالكثير من المعارف والثقافة التي تجعلنا أغنياء فكرٍ وحضور اجتماعي وإنساني يخوّلنا التأثير فيمن حولنا أكثر، فنكون محبوبين بالقدر الذي نحبُّ فيه أنفسنا والآخرين. وإلاّ وكما يرى علم النفس، فإننا لن نستطيع أن نحبّ الناس من حولنا قبل أن نحبّ أنفسنا أولاً، وإن كُنّا نحبُ أنفسنا فعلاً ونقبلها كما هي، فإن احتياجاتنا النفسية والعاطفية لغيرنا ستقلُّ كثيراً.. وحينئذٍ سنرى الناس كبشرٍ بدلاً من تقسيمهم إلى ملائكة يُرضون احتياجاتنا النفسية، وشياطين يهددون كياننا النفسي والاجتماعي دائماً.. وربما نضطّر أحياناً وبفعل اضطراباتنا النفسية والاجتماعية إلى نقل أولئك الناس من خانة الملائكة إلى خانة الشياطين والعكس بالعكس.. فإن توصلنا إلى هذه القسمة النفسية العنيفة، نكون حينئذٍ قد وصلنا إلى حالة من الفراغ النفسي والعاطفي الشديد في داخلنا، ما يجعلنا نسعى جاهدين لأن نملأه بمن حولنا إيجابيين كانوا أم سلبيين.. فلنعمل على حبّ أنفسنا فنكتفي بها، ونرضى عنها أولاً وأخيراً وسنكون أكثر سعادة لاسيما حين نرى الناس كبشر بداخل كلٍّ منهم ملاك وشيطان.

وهنا ندرك حقيقة أن حبّ الذات البعيد عن الأنانية والتكبّر يرتقي بالشخصية إلى مستويات حرّة واعية تليق بفكرها الاستقلالي.. فحب الذات المبني على تنمية الشخصية واحتياجاتها الفكرية والمادية والنفسية يجعل من الشخص إنساناً بسيطاً في احتياجاته وعميقاً في فكره وتعاطيه مع الآخرين الحياة التي يراها جميلة بأناسها الطيبين، وبالتالي فهي تستحق أن نعيشها بلطف وعفوية وطيبة نحتاجها اليوم أكثر من أي زمن آخر.

العدد 1105 - 01/5/2024