أطفال التكنولوجيا

ريم داوود:

(بتصدّقي ابني عمرو سنتين ونص، بيفتح اللابتوب لحالو، وبيختار البرنامج يلي بدّو ياه.

إي ماشالله على هالجيل! صدّقي، ابن أختي فظيع، بيشتغل عالتاب كأنو عمرو ٢٠ سنة!

الله يحميهن، جيل سابق عصرو!)

الوعي والإدراك:

الوعي هو الإحساس أو الدراية بالوجود الداخلي والخارجي. وعلى الرغم من كل الدراسات الفلسفية والتعاريف العلمية والمناقشات التي دارت حول مفهوم الوعي، لا يزال من أكثر الأمور غموضاً وحيرة وتشويقاً للباحثين. فحسب قاموس كامبريدج (الوعي هو حالة من فهم وإدراك شيء ما). أما في قاموس ماكميلان لعلم النفس (طبعة ١٩٨٩) فنجد ستيوارت ساذرلاند يقدّم أكثر من تعريف للوعي منها أن (الوعي هو امتلاك الإدراكات الحسية والأفكار والمشاعر).

وفي هذا الصدد لابدّ لنا من أن نلفت القرّاء إلى أن الوعي يزداد وينقص، فهو أمر غير ثابت فقد يتوافر الوعي في قضية ما دون غيرها. كما يزداد الوعي من خلال المطالعة، البحث، التجربة، القراءة، التوسّع، التأمّل والاستفاضة في موضوع ما. ونجده ينحسر ويتلاشى بالإهمال، الغفلة، المماطلة، الاستهتار والتراخي.

الأطفال والتكنولوجيا:

يعي غالبية الأهل أن الأجهزة الذكية بكل أشكالها ممنوعة للأطفال الذين هم دون سن السنتين، كما أنهم يعلمون ويدركون تماماً مدى الخطر المُحدق على إدراك أطفالهم ووعيهم إذا ما جنِّدوا أمام هذه الأجهزة. ومع التطور والتقدّم الهائل الذي نشهده يوماً بعد يوم والإرهاصات الكبيرة في هذا المجال كان لابدّ من تناول هذا الموضوع بعناية فائقة ودراية كافية.

سكيولوجية الطفولة:

يُعرّف هذا المفهوم على أنه (مرحلة من مراحل النمو البشري، وتختصُّ مرحلة الطفولة المُبكّرة بالأطفال الذين هم بعمر ما قبل المدرسة أي من سنتين إلى ست سنوات، وتُعدُّ هذه المرحلة من أهم المراحل التعليمية والتربوية، يمرُّ الطفل خلالها بمراحل عديدة:

– نمو جسمي حركي: عضلات، عظام، أسنان وغيرها من المظاهر الجسمية التي تنمو أضعاف ما كانت عليه في مرحلة الولادة.

– نمو عقلي معرفي: وهنا يبدأ الطفل باستخدام عقله وإدراك الأشياء من حوله، وفيها يمرُّ بمرحلتين: مرحلة ما قبل المفاهيم (٢_٤) سنوات ومرحلة التفكير الحدسي التي يعتمد فيها على حواسّه بإدراك الأشياء (٤-٧) سنوات.

– النمو النفسي: الذي يتطلّب من الطفل إثبات نفسه ووجوده بالاعتماد على ذاته.

– النمو الاجتماعي: يتوجّه من خلاله الطفل للّعب مع الأقران وتشكيل علاقات وديّة مبنية على المشاركة والصداقة.

– النمو اللغوي: تتطور قدرة الطفل على استخدام اللغة والتعبير عن ذاته بالشكل الأفضل.

– النمو الأخلاقي: تترسّخ لدى الطفل القيم والمفاهيم والمبادئ الأخلاقية والمجتمعية، كما يترسّخ لديه مفهوم السلوك الخاطئ والسلوك الصحيح.

وأمام هذا الطرح العميق والشيّق لسيكولوجية الطفولة، وبالتركيز على أن الوعي يزداد وينقص تبعاً للاهتمام والممارسة والتجربة، يتبيّن لنا أن ذكاء الأطفال وطلاقتهم في أيّ مجال من المجالات يعود للتركيز الكبير على ذلك المجال الذي يدعمه ويُعزّزه الأهل بآلية التربية، ومن خلال توفير كل ما يلزم الطفل في ذلك المجال، فعلى سبيل المثال: أطفال تتوافر داخل منازلهم الأجهزة الالكترونية بكل أشكالها وأنواعها ستكون أرضاً خصبة لتفوّق الطفل وزيادة مداركه حول آلية وكيفية عمل تلك الأجهزة، في حين نجد منازل أخرى تتوافر فيها الكتب العلمية والثقافية بكل أشكالها وأنواعها فستكون أيضاً أرضاً خصبة لتفوّق ذلك الطفل في مجال العلوم والبحوث.

إننا اليوم نشهد عصراً الكترونياً فاق كلّ التوقعات فرض حضوره في حياة الصغار قبل الكبار وهذا ما يفسّر لنا تفوّق هذا الجيل في حقل الإلكترونيات، لكن الأهم من ذلك أن يعي الأهل مراحل نمو أطفالهم وتطورهم التي لابدّ لهم من أن يعيشوها باعتدال وسوية، وإلاّ خلقنا جيلاً انطوائياً يعاني شرخاً في التوافق بين ذاته والمجتمع.

العدد 1105 - 01/5/2024