تضخيم مخاطر الطلاق الفعلي تقود لطلاق أشدُّ فتكاً بالأسرة

إيمان أحمد ونوس:

تقوم العلاقة الزوجية أساساً على المشاعر والعواطف والأحاسيس المتبادلة، مثلما تقوم على تقاسم أعباء الأسرة والحياة من الناحية المادية والاجتماعية.

وإذا ما حدث خلل في العلاقة العاطفية بين الزوجين، فإنه سينعكس بالضرورة على حياة الأسرة بكامل أفرادها، لأن هذا الخلل يؤدي حتماً لبرود العلاقة بينهما مع تواصل شبه مقطوع، وبالتالي يسود الجفاف والاكتئاب حياتهما معاً من جهة، وعلاقتهما بالأولاد والمحيط من جهة أخرى.

ويُعرّف الطب النفسي الطلاق العاطفي بأنه حالة غير مرئية أو غير ظاهرة للعيان، يعيش فيها الزوجان دون طلاق فعلي، لكنهما بعيدان أحدهما عن الآخر، ولكل منهما عالمه الخاص رغم وجودهما في بيت واحد يتقاسمان تفاصيل حياته اليومية لكن دون عواطف أو تواصل. وهذا ما يُهدّد الحياة الزوجية نظراً لانعدام روح المبادرة تجاه الآخر، والعزوف عن الكلمة الطيّبة أو كل ما يمكن أن يحرّك المشاعر، والنكوص نحو الملل ومشاعر الإحباط والخيبة.

طبعاً لهذه الحالة أسبابها التي تتلخّص فيما يلي:

– عدم الاستعداد النفسي لدى أحد الزوجين لبناء العلاقة الزوجية بشكلها السليم.

– خيبة أمل أحد الطرفين بالآخر نتيجة اكتشاف عدم التوافق الفكري والعاطفي، ممّا يُعزّز الهوّة بينهما، ويدفع باتجاه الانعزال العاطفي أو التواصل الاجتماعي إلاّ بحدود ما تتطلبه العلاقة مع المجتمع في بداية مشوارهما، ومع الأولاد لاحقاً.

– نمط التعامل الذي يسم العلاقة الزوجية بعد الإنجاب، إذ تتفرّغ الزوجة كليّاً للقادم الجديد دون اعتبار لعلاقتها مع زوجها، ما يؤدي لشرخ يزداد اتساعاً يوماً بعد آخر نتيجة عدم توازنها بين مسؤولياتها كأم وواجباتها كزوجة.

– نمط الحياة الاجتماعية التقليدية التي تتطلّب من المرأة الاهتمام المتواصل بالرجل وتقديم التنازلات المستمرة من أجل إرضائه والسهر على راحته من كل النواحي إضافة إلى أعبائها كأم وربة أسرة، مقابل إعفاء هذا الرجل من مسؤولياته الاجتماعية والأسرية والعاطفية تجاه المرأة ممّا يشعرها بأنها كمٌّ مهمل على هامش حياة الزوج.

– حالة الصمت التي يعيشها معظم الأزواج الرجال داخل الأسرة ما يُحيل العلاقة الزوجية إن قامت إلى علاقة خالية من المشاعر المتبادلة والاحترام والانسجام.

– المشاكل والخلافات المُستعصية والمتراكمة التي لم يتوصّل الزوجان إلى إيجاد حلٍّ لها.

قد يُطرح تساؤل حول جدوى الاستمرار ضمن المؤسسة الزوجية في ظلّ هذا الوضع والبرود العاطفي بين الزوجين.

لا شكّ أن هناك اعتبارات كثيرة تؤخذ بالحسبان من قبل الزوجين أو أحدهما، مفضّلاً الاستمرار والابتعاد عن فكرة الطلاق الفعلي، وذلك لعدة أسباب:

– اعتبار الأطفال سبباً هاماً ورئيسياً يربط الزوجين أو أحدهما بالآخر، فلولا وجود الأطفال لما بقيت معه/ ـها، هكذا يقول بعض الأزواج.

– خشية الزوجة من فكرة الطلاق باعتباره حالة غير مرغوبة اجتماعياً وأسرياً.

– رغبتها في الاحتفاظ بالأولاد ضمن نطاق المؤسسة الزوجية كي لا تخسرهم أو تتشرد معهم.

– عدم تمكين المرأة من الاستقلال الاقتصادي سبب هام ورئيسي يدفع بها للبقاء مع زوج لا تربطها به أية مشاعر أو علاقة سوية، لأنها لا تملك مالاً أو عملاً يساعدها على مسؤوليات ومتطلبات الحياة منفردة أو مع الأبناء.

وهنا، لا شكّ أن ناتج هذه العلاقة غير السوية عاطفياً هو وجود زوجين غير سعيدين، يعيشان كلٌ في طريق، واكتئاب يصيب أحدهما، خاصة الزوجة، باعتبارها كمّاً مهملاً ومهمّشاً من قبل الزوج، فهي ليست أكثر من ربّة منزل تهتم بشؤون الأطفال والبيت. أو شعور الزوج بالملل والنفور نتيجة الفراغ العاطفي الذي يشعر به لعدم قدرة الزوجة على ملء ذلك الفراغ، فيلجأ للحياة خارج أسوار المنزل، وربما يلوذ بزواج آخر، وما أدراك ما الزواج الثاني وعواقبه على الأسرة والمجتمع.

يُعتبر الطلاق النفسي أزمة حقيقية تُهدّد وتغتال الكثير من العلاقات الزوجية، إضافة إلى أنها تُعرّض الأبناء لمخاطر تفوقُ المخاطر التي قد تنشأ جرّاء الطلاق النهائي، فهم قد يُصابون بأمراض نفسية منها انفصام الشخصية وفقدان الثقة بالذات والعجز عن أخذ القرارات المناسبة.

من هنا يُمكن القول إنّ المجتمع بقيمه وتقاليده عندما يلجأ إلى تضخيم مخاطر ومحاذير الطلاق المباشر مقابل السكوت عن مخاطر الطلاق النفسي وغضّ الطرف عن تأثيراته المفجعة على جميع أفراد الأسرة، خصوصاً الأبناء، يُعدّ تهرّباً من مواجهة المشكلات الحقيقية التي تواجه الزوجين والأبناء معاً ممّا قد يؤدي في نهاية المطاف لحدوث الطلاق الفعلي.

لذا، على الزوجين في مثل هذه الحالة اللجوء إلى الحوار ومناقشة الأسباب التي أدّت بهما إلى البرود والجفاف العاطفي، ومحاولة إنقاذ علاقتهما إن كان ذلك ممكناً، للوصول إلى حياة معقولة تُرضي الطرفين، وتنعكس بإيجابياتها على الأطفال والمحيط الاجتماعي، وإلاّ البحث عن حل يكون شبه عادلٍ لهما معاً ولأطفالهما، بحيث لا ينقضي العمر في صقيع يغتال الحياة والعواطف رويداً وريداً.

 

العدد 1107 - 22/5/2024