درامانا وتأثيرها في قيم المجتمع

 سليمان أمين:

الدراما التي تخلدها الذاكرة هي التي تترك أثراً في نفوس متابعيها، وتحثّهم على التغيير لا على التخريب والضياع مثلما تفعله دراما هذه الأيام، ولم نصل بعد إلى عمل ناجح مثل (قلم حمرة، الفصول الأربعة، أشواك ناعمة، الندم، الانتظار، أحلام كبيرة) وغيرها من الأعمال التي حفرت في ذاكرتنا ونفوسنا انطباعات مختلفة، ومازالت هذه الأعمال تشاهد حتى اليوم.

المشاهد اليوم وخصوصاً أبناء هذا الجيل يمشي وفق رغباته وعاطفته، وليس وفق البناء الدرامي الذي يجب أن يحمل أسلوب المعالجة الحقيقية لجوهر المشكلة المطروحة والتي هي أساس البناء الدرامي، وهذا هو الاختلاف الجوهري بين السينما والدراما، الدراما اليوم باتت هياكل للعرض والاستعراض فاقدة هدفها الأساسي.

تحكّم المنتج بالمنتج

تحكّم شركات الإنتاج ورأس المال في كل شيء من اختيار الكاتب وشراء نصوص بثمن زهيد ومحاولة معالجتها بأي طريقة، والاتفاق مع مخرج وممثلين وكادر بأجور زهيدة جداً، وهذا يعتبر قاتلاً للمنتج الدرامي، فكيف أصنع منتجاً جيداً بثمن بخس ودون أي تكاليف؟ فالعمل الجيد والاحترافي مكلف ويبدأ من نص درامي مبني درامياً بشكل احترافي، إلى اختيار مخرج وكادر فني وتقني احترافي لديه خبرة سنوات في صياغة وصناعة عمل درامي حقيقي.

على المنتج أن يفهم ويدرك أن الدراما هي صناعة منتج بجودة عالية، وأن لها تأثيرها الحقيقي على المجتمع بدءاً من الفرد إلى الأسرة وغيره من المؤسسات الأخرى، وليست تجارة ربحية قائمة على تخريب المجتمع ونشر ثقافات فاسدة وقذرة وإدخالها بعقول الجيل، كما يحدث اليوم في درامانا الغائبة تماماً عن المعالجة، والتي تنشر ثقافة السلاح والقتل والمخدرات والخيانة والفسق والفجور بشكل علني على أنها رجولة وأنوثة، على حساب نشر القيم الأساسية لثقافة الرجولة والأنوثة المبنية على الأخلاق والمحبة والخير لا الشر المطلق والحقد وغيره من الأمور الأخرى التي باتت مثالاً يحتذي به الشباب اليوم، فللدراما تأثيرها الحقيقي على العقل، كالمخدر الذي يأخذ تأثيره على مراحل ليصل بالشخص إلى الإدمان.

 

الصورة على حساب المعالجة

الصورة وحدها لا تصنع عملاً درامياً ناجحاً، وقد رأينا في الأعمال الأخيرة نمط التصوير السينمائي الذي يجري استخدامه في السنوات الأخيرة في الأعمال الدرامية، وتصوير طائرات الدراجون وغيره من التقنيات الحديثة التي أدت المبالغة فيها إلى انعكاسها سلباً على جو العمل الدرامي. الدراما بسيطة وليست معقدة، ولا تحتاج إلى تقنيات الصورة السينمائية على حساب الحبكة والمغزى الذي يحمله سرد الحكاية الدرامية، فلا معنى للصورة التي لا تخدم العمل بشكل إيجابي وتنعشه، فأغلب الأعمال الدرامية اليوم عمل مخرجوها على إبهار المشاهد أكثر من العمل على جوهر الفكرة في العمل المقدم، والسبب غياب المعالجة في جلّ النصوص والتكرار المرهق للأعمال الدرامية، وربما أغلب المخرجين اليوم هم من الشباب الذين تدربوا على يد مخرجين أو تخرجوا من دورات تدريبية وغيره من الأمور الكثيرة، فاليوم باتت المهنة الدرامية ككل المهن الإبداعية تفتقد للبناء الصحيح وباتت عقلية شباب مراهقين همهم الشهرة مثل المهن الأخرى كالإعلام والمثقفين الجدد..الخ الذين باتوا موضة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب بكثرة كثيرة دون أي رقابة أو محاكمة اجتماعية، وهم أنفسهم لا يعلمون ماذا يفعلون، وقد رأينا الكثير منهم ممثلاً وكاتباً ومخرجاً للأسف على شاشاتنا.

العنف والخيانة يجلبان (الترند) الأعلى

مشاهد العنف والسلاح والإدمان باتت هي الغالبة اليوم على درامانا للأسف، وبات أي عمل يخلو منها لا يحقق نسبة مشاهدة كافية من الجمهور، فالمشاهد اليوم باتت تستهويه دراما العنف التي تنشر ثقافة الحشيش المخدر والقتل والاغتصاب والخيانة والجنس وغيرها من الأمور غير الأخلاقية التي انتشرت في المجتمع بعد غياب القوانين الرادعة لها، وكانت الدراما أحد الأقنية المغذية لانتشارها بعد تغذية العقول بسمومها القذرة، فعندما يطرح عمل ما لجوء الشباب إلى تناول الحشيش كي يشعروا بالسعادة دون أي معالجة لتأثيره عليهم، فبالتأكيد هذا يسمى تخريباً، وعندما تنشر الدراما ثقافة القتل والسلاح فهذا يدخل في عقول المشاهدين وخصوصاً المراهقين ويترك تأثيره عليهم، والأمثلة كثيرة وأمامنا أعمال كثيرة قاتلة تنشر الانحطاط وتزيده ولا تعمل على استئصاله.

ختاماً

الدراما سلاح ذو حدين، وهذا ما يجب أن يدركه القائمون على صناعتها، ولكن للأسف لا رقابة اليوم على درامانا، ولا حتى لجنة درامية مختصة وأكاديمية تدرس ماهية أي عمل قبل طرحه، الرقابة باتت اليوم مالاً يُدفع ليمشي العمل مهما كانت سمومه مدمرة للمجتمع وقاتلة، ولجان الدراما يجب أن تعين وفق خبرات تراكمية كبيرة لا بالتصويت، فالأصوات تباع وتشترى ولهذا يمكن أن يكون التعيين أفضل في المجالات الإبداعية، فنحن اليوم بحاجة إلى مخرجين وكتاب كبار أسسوا الدراما السورية وكان لهم مشوارهم الطويل ليكونوا في لجنة قراءة النصوص ولجنة صناعة السينما ، وهم كثر لكنهم مهمشون لحساب المصلحة الشخصية.

العدد 1105 - 01/5/2024