نصيحة صينية للولايات المتحدة الأمريكية

د. صياح فرحان عزام:

لم تكتفِ الولايات المتحدة بشنّ حرب اقتصادية ومالية وتقنية على الصين، ومحاولة حصارها سياسياً وعسكرياً، بل تشنّ عليها أيضاً حرباً إعلامية تهدف إلى تشويه صورتها أمام العالم، وإظهارها كدولة خارجة على القانون، ومنتهكة لحقوق الإنسان، وساعية إلى الهيمنة وزعزعة الاستقرار في العالم.. وجاء الموقف الصيني الإيجابي والمتوازن من العملية العسكرية الدفاعية الروسية في أوكرانيا ليصب الزيت على نار العلاقات المتوترة أصلاً بين واشنطن وبكين، بسبب استفزازات أمريكية متواصلة ومحاولات شيطنة الصين.

آخر فصول الحرب الكلامية الأمريكية، ما صدر عن ويندي شيرمان (نائبة وزير الخارجية الأمريكية) أثناء زيارتها لبروكسل واجتماعها مع مسؤولين في الاتحاد الأوربي، فقد قالت بوقاحة متناهية: (على الصين أن تتعلم الدروس الصحيحة من الوضع في أوكرانيا)، الأمر الذي استدعى رداً سريعاً من تشاولي جيان (المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية) أكد فيه (أن موقف الصين من القضية الأوكرانية علني وعادل موضوعي ولا يثير أي شكوك.. وبخلاف ذلك، فإن الولايات المتحدة هي من تملك سجلاً سيئاً، ننصح الولايات المتحدة بأن (تنظر في المرآة) وأن تدير شؤونها الخاصة بشكل صحيح قبل أن تشير بأصابع الاتهام واللوم إلى الآخرين).

إن هذه الدعوة الصينية للولايات المتحدة للنظر في المرآة كي ترى حقيقتها تتطلب وقفة صريحة وموجزة أمام ما يمكن أن تراه واشنطن في المرآة (هذا إذا كانت واشنطن فعلاً قادرة على الرؤية الصحيحة وإزالة الغشاوة عن أعينها)، وما يمكن أن تراه الصين.

– كانت الصين – كما هو معروف- دولة نامية، ولكنها عملت خلال سنوات قليلة على تحديث نفسها وانتهاج سياسة اقتصادية خاصة بها مكنتها من القفز إلى مصاف الدول المتقدمة صناعياً، وأصبحت قوة اقتصادية هائلة تنافس الدول التي كانت تهيمن على الاقتصاد العالمي، وشقت لنفسها طريقاً يمزج بين الاشتراكية والليبرالية، مستمداً من تجربة تاريخية وثقافية وسياسية مديدة، وانتهجت طريق الحياد الإيجابي كخط سياسي ثابت، وكانت شريكاً مؤسساً لمنظومة دول عدم الانحياز، والأهم من كل ذلك أن التراث الصيني أو التاريخ الصيني على امتداده خال من الاستعمار والتوسع والهيمنة والحروب الخارجية، كما أن بكين لا تستخدم علاقاتها مع الدول والشعوب كأداة للضغط والابتزاز والتآمر والاستغلال، كما تفعل أمريكا وحلفاؤها، إلى جانب مساعداتها للدول النامية عن طريق الاستثمارات التنموية وغير المشروطة. وخير مثال على ذلك مبادرة الحزام الطريق الذي تربط العالم بحراً وبراً، وتهدف إلى الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي وتسريع النمو الاقتصادي، فهذه المبادرة هي نموذج مثالي وحقيقي تقدمه الصين للعالم في كيفية بناء علاقات قائمة على التعاون والتكامل وصولاً إلى تحقيق الأمن والسلام العالميين.

– بالمقابل، إذا نظرت الولايات المتحدة الأمريكية في المرآة، فماذا تجد أمامها؟ تجد الحروب والغزوات التي شنتها هنا وهناك ضد دول صغيرة وشعوب آمنة، وتجد التدخلات المباشرة وغير المباشرة في شؤون الدول الأخرى، بزعم المحافظة على الحرية والدفاع عن الديمقراطية أو نشرها (على غرار الديمقراطية التي نشرتها في العراق، ديمقراطية الفوضى والانقسامات وإحياء النعرات الطائفية والعرقية)، وتجد سيف العقوبات الذي تسلطه على رقاب الشعوب فيطول لقمة عيشها، والحصارات الاقتصادية التي تسببت في موت الملايين.. والقائمة تطول كما يقال إزاء دولة مهيمنة ومتسلطة واستعمارية ولديها أكثر من 750 قاعدة عسكرية في أكثر من مئة وثلاثين دولة.

والسؤال: هل تريد الولايات المتحدة هذه النظر في المرآة؟

بالتأكيد لا!

 

العدد 1105 - 01/5/2024