لعل في الفنجان خلاصاً!

وعد حسون نصر:

يعتقد كثيرون بعلم الغيب، لدرجة أنه بات مهنة ويُحجز لها دور ووقت في وسائل الإعلام، كما يصف البعض هذا العمل بالخرافة ويقال: (رزق الهبل على المجانين)، رغم كل الوصف والتوصيف لهذه المهنة والاعتقاد بها وعدم الاعتقاد إلاّ أننا جميعاً نتشوّق لمعرفة الغيب، سواء في قراءة الفنجان بشكل نهفة أو دعابة بين أصدقائنا والأهل وزملاء العمل، أو من خلال لجوء البعض لأهل الاختصاص من أجل رؤية المستقبل ضمن خطوط البن الجافة على أرضية الفنجان البيضاء، وفي الحالتين نجد أننا جميعاً وبلا شعور متعلقون بمعرفة الغيب، بشتى الوسائل والأساليب من الأبراج للتاروت أو حتى لقراءة الفنجان وفتح الفال بالصدف والأحجار، لنرى أن البعض اتخذوا من هذا العلم أو الخرافة مهنة لهم، مستغلين تعلّق الكثيرين بمعرفة ما يُخبئه الغيب لهم، وباتوا يؤسّسون المكاتب المختصة، ويوظفون أشخاصاً لاستقبال الاتصالات وحجز مواعيد وتحديد شروط للاستقبال ومبالغ معينة لكل حالة، حتى بتنا نرى استغلال الإعلام والفضائيات لشغف الناس بمعرفة الغيب، إذ أُنشئت محطات خاصة تستقبل اتصالات من المشاهدين من خلال رجال أو نساء يعملون في فتح الفال ومعرفة البخت ومعالجة حالات مرضية كما يظن البعض أنها لا تُشفى إلاّ بالسحر والتنجيم، وهنا يكون الربح مضاعفاً لهذه المحطات لأنه يأتي من خلال الاتصالات والاعلانات والتسويق داخل البرنامج، فيغدو التنجيم فسحة أمل لغريق يبحث عن قشة النجاة، فيصبح سوسة المتعلم قبل الجاهل، وخاصة في الفترة الأخيرة مع ظهور صفحات تواصل عبر النت تتلقى مراسلات لمن يرغب بمعرفة الحظ، كذلك فقرات الأبراج اليومية عبر المذياع والتلفاز أو حتى الجوال، كل هذا عزّز ظاهرة التشوّق لمعرفة ما يحمله لنا الغد بين طيّاته، ولعلّ اليأس والملل وانقطاع الكهرباء الطويل والوضع المعيشي التعيس، وكذلك فقدان الكثير من مقومات الحياة كلها أسباب عزّزت مثل هذه الظاهرة بحثاً عن فرحة كاذبة بين أوراق التاروت وأحجار النرد.

كنا نقول إن مستقبلنا بالعلم والعمل واكتشاف الحضارات وتطور وسائل العيش والتكنولوجيا، كذلك في غزو الفضاء واكتشاف مجهوله، لنرى أننا بعد حربنا والوباء عدنا لزمن زرقاء اليمامة وفانغا وبدأنا نرسم خطوط الظلّ على الرمال لتخبرنا أين نسير وكم مضى من الوقت. وأخيراً كذب المنجمون ولو صدقوا، مع العلم أن الأمل خُبزنا حتى لو من مخبز عرافة.

العدد 1107 - 22/5/2024