(الحماية الاجتماعية) في ثقافي أبو رمانة

(النور)- خاص – ندى حبال:

في إطار ندوة الثلاثاء الاقتصادي التي تقيمها جمعية العلوم الاقتصادية السورية، في المركز الثقافي العربي_ أبو رمانة، قدّمت الدكتورة رشا سيروب (عضوة في الجمعية، وأستاذة كلية الاقتصاد في جامعة دمشق فرع القنيطرة) محاضرة بعنوان (أرضيات الحماية الاجتماعية في سورية) وذلك يوم الثلاثاء الثامن من شباط عام 2022.

تناولت المحاضرة العديد من النقاط الهامة حول موضوع الحماية الاجتماعية.

ابتدأت الدكتورة رشا حديثها بتعريف الحماية الاجتماعية كمصطلح، وهو الحد الأدنى للضمان الاجتماعي الذي يجب أن يتمتع به كل مواطن، كما عرّفه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه حقّ من حقوق الإنسان، ولا يجوز بناءً عليه التنازل عن هذا الحق، وأنه ضروري للحد من الفقر وضمان مستوى معيشي لائق يصون كرامة الإنسان.

تضمّنت المحاضرة أربعة محاور أساسية وهي: لماذا الحماية الاجتماعية؟

مفاهيم الحماية الاجتماعية وسياساتها، الحماية الاجتماعية في سوريا بين الواقع والمآل.

أهم المؤشرات الاقتصادية التي تعتبر السبب الجوهري لحاجة سوريا إلى الحماية الاجتماعية.

من أهم هذه المؤشرات معدل البطالة في سورية، الذي وصل إلى 31% عام 2019.

إضافة إلى معدل الفقر والأمن الغذائي، وفي هذا الصدد توضح الأرقام أن 5% من الأسر فقط تتمتع بالأمن الغذائي، وهذا يعني أن 94% من الأسر السورية غير آمنين غذائياً، وهذا مؤشر خطير يجب التعامل معه بجدية، أما المؤشر الأخير فهو دخل الفرد الذي لا يشكل أكثر من 10 % من حجم الإنفاق الذي يحتاجه الفرد سنوياً أو شهرياً.

أكدت المحاضرة أن هذه المؤشرات الاقتصادية لها منعكسات اجتماعية خطيرة يمكن أن تهدد سورية مستقبلاً بانعدام الأمن الاجتماعي والاستقرار، وعدم التماسك.

ويرجع هذا إلى مجموعة من الأسباب، أهمّها انسحاب الدولة تدريجياً عن تقديم الدعم والضمان الاجتماعي، وبدأ هذا منذ عام 2005 مع تطبيق شعار اقتصاد السوق الاجتماعي، وإعطاء الأولوية لسياسات السوق على حساب السياسات الاجتماعية (تحرير الأسواق أدى إلى فشلها، تركز الثروة بيد فئة معينة على حساب باقي فئات المجتمع).

والحلول من وجهة نظر الدكتورة تكون بتدخل الدولة لضمان الحماية الاجتماعية وتوزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء.

لكن كيف سيكون المجتمع دون تطبيق الحماية الاجتماعية؟

أولاً_ لن يكون هناك خدمات أو ضمان صحي للجميع، ثانياً_ عدم القدرة على ضبط ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس وبالتالي زيادة عمالة الأطفال (بسبب عدم كفاية دخل الأسرة)، إضافة إلى أن الأم العاملة سيكون عليها العودة إلى العمل حتى قبل انتهاء فترة الأمومة، وأخيراُ زيادة العمر المطلوب للتقاعد وضغط كبير على رب الأسرة لتأمين متطلبات العيش لأسرته.

وجاء في التوصية رقم 202 لمنظمة العمل الدولية أن الحد الأدنى للضمان الاجتماعي يكون بتأمين دخل أساسي (دورة حياة الإنسان)، إضافة إلى الرعاية الصحية.

وعن قدرة سورية على تمويل برامج الضمان الاجتماعي، فإنه بإمكان أي دولة أن تقوم بتغطيتها، فهي لا تأخذ أكثر من 2 إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي، وذلك حسب المنظمة ذاتها.

 

و بالنسبة لسورية فإن نسبة الإنفاق الحكومي على الحماية الاجتماعية من الناتج الإجمالي تراجعت من 3.6 % إلى 3.07% من عام 2014 حتى الآن، وشمل الإنفاق قطاع التعليم (التربية والعالي)، الصحة، الدعم (مساهمة الدولة في تثبيت الأسعار).

هذا كله يعكس ضعف إرادة الدولة لدعم الاستثمار الاجتماعي؛ وخاصة في سنوات الحرب، ففي الحروب يزداد تدخل الدول لتأمين الحماية الاجتماعية لمواطنيها، بينما في سورية ازداد انسحاب الدولة وتقلص دورها في تأمين الحماية.

وهذا عائد بشكل أساسي إلى الإشكالية المتعلقة بالتحصيل الضريبي من أرباح الشركات والقطاع الخاص، إذ هناك فجوة كبيرة بين التحصيل الفعلي للضرائب والتحصيل المفروض (نسبة الضرائب التي تعود إلى خزينة الدولة أقل من المطلوب، وهذا يؤدي إلى ضعف الإنفاق الحكومي على الحماية الاجتماعية)، وبالتالي من المفترض إصلاح النظام الضريبي وعدم اللجوء إلى أخذ الضريبة من الموظفين وفئات المجتمع الفقيرة فقط، مقابل منح الإعفاءات والاستثناءات للشركات الكبرى وبعض الفئات الغنية في المجتمع، وإنما تطبيق مبدأ العدالة الضريبية، فالضريبة في الدستور السوري تصاعدية، لذا يجب الالتزام بتحصيلها وفق هذا المبدأ، ومن ثم يتم إصلاح آلية الدعم الحكومي وتوجيه الدعم لمستحقيه الفعليين.

فالمصادر الأساسية لتمويل الحماية الاجتماعية هو النظام الضريبي والمساعدات الإنمائية الرسمية (مبالغ يتم رصدها للدول لتأمين الحماية الاجتماعية لمواطنيها وبلغت في سورية 4 مليارات دولار عام 2019 وازداد هذا المبلغ بالتدريج، وذلك وفقاً لصندوق النقد العربي).

ونستنتج من ذلك أن الأرقام الضخمة التي دخلت سورية إضافة للضرائب كان يمكن أن تُحسن أرضياتها الاجتماعية بنسبة كبيرة!

إذاً لكي تكون الدولة قادرة على الإنفاق اجتماعياً يجب أن تكون قادرة على التحصيل الضريبي، كي تتمكن من توجيه الإنفاق للاحتياجات والقطاعات الأكثر أولوية، وبالتالي ضمان تطبيق الحماية الاجتماعية بالشكل المرجو.

وختمت الدكتورة محاضرتها بالقول إنه (على الدولة تقديم المزيد من الدعم الاجتماعي الاقتصادي والتدخل لضمان الحماية الاجتماعية لكل فئات المجتمع وخاصةً الفقيرة والمحتاجة منها).

وشارك الحاضرون في نهاية الجلسة بأسئلتهم ومداخلاتهم التي أغنت المحاضرة وفتحت باب النقاش المفيد بين الدكتورة والحاضرين.

العدد 1104 - 24/4/2024