قرارات شباطية!

محمود هلال:

قيل في شهر شباط: (شباط بشبّط وبلبّط وريحة الصيف فيه) بما معناه أنه شهر متخبط بين الشتاء والصيف، وهذا ما حصل في الأول من شهر شباط الحالي، عندما بدأت الحكومة بتطبيق قرارها رفع الدعم عن شريحة من أصحاب السيارات الحديثة التي سعة محركها أكثر من 1500 س س وموديل 2008 وما بعد، وكذلك عن أصحاب السجلات التجارية والذي يملكون أسهماً بسوق الأوراق المالية وغيرهم من المسجلين بنقابة المصارف والأموال، وعن أصحاب المصانع والعقارات وكبار المستوردين وكذلك عن المسافرين خارج القطر.

وبموجب القرار رفعت أسعار الخبز غير المدعوم لتصبح الربطة بـ1300 ليرة، والمازوت إلى 1700 ل. س، والبنزين إلى 2500 ليرة لليتر، وجرة الغاز إلى 30600 ل. س، فكان ذلك اليوم يوماً أسود بالنسبة للذين استُبعدوا من (رحمة) الحكومة، فقد كان قراراً متخبطاً تبين فيما بعد أن هناك كثيرين من المستبعدين يستحقون الدعم واستبعدوا نتيجة بيانات خاطئة، فمنهم كان سبب استبعاده أنه مسافر بينما هو في الواقع موجود داخل القطر، ومنهم من استبعدوا لأنهم أموات وهم أحياء يرزقون، وعلى هذا النحو لناس يملكون سجلات تجارية العمل بها متوقف منذ سنين، مما خلق استياء عاماً عند الجميع. وكان القرار بمثابة صب الزيت على النار، لأن له انعكاساته السلبية داخل المجتمع وبين الناس، وخلق حالة فرز بين مدعوم ومستبعد، كما أن رفع الدعم عن الخبز خلق ضجة كبيرة عند المواطنين الذين يكادون يعيشون على ربطة الخبز وخاصة أصحاب الأسر الكبيرة الذين حرمهم الغلاء كثيراً من أصناف المأكولات من لحوم حمراء وبيضاء وغيرها.

وفور رفع الدعم جرى بالمقابل رفع للأسعار مباشرة من قبل بعض التجار والباعة عديمي الضمير الذين يستغلون كل قرار لمضاعفة أرباحهم.

يمكن القول إن مبدأ الدعم الذي تسير عليه الحكومة منذ عقود اتخذ بالأساس نتيجة تدنّي القيمة الحقيقية للرواتب والأجور، وعلى مبدأ بحصة تسند جرّة، فجرى دعم المواد الأساسية كالخبز الذي كان خطاً أحمر، والمحروقات والمواد التموينية كالسكر والرز والزيت، والناس بوجود الدعم (من دون دف عم ترقص) برداً وجوعاً وعتمة وفقراً، فكيف سيكون حالهم من دون دعم؟ من غير المعقول أن الحكومة لا تدري بذلك إلا إذا كانت بعيدة جداً عن الشعب، وإذا كان لا بد من قرارات كهذا القرار فيجب عليها أولاً أن ترفع الأجور والرواتب لتتناسب مع الأسعار، ولكي يستطيع المواطن أن يعيش بالحد الأدنى من الاكتفاء والشعور بكرامته، وقد يكفي هنا أن نذكّر بأنه قبل انفجار الأزمة منذ عشر سنوات كان وسطي الرواتب يتراوح ما بين 15 و20 ألف ل. س شهرياً أي ما يعادل نحو 300 أو 400 دولار حينذاك، أي ما يعادل حالياً بين مليون ومليون وأربعمئة ألف ليرة. أما في حال بقاء الأجور والرواتب على حالها فإن الراتب الحالي لن يكفي لشراء الخبز فقط لأسرة مؤلفة من 5 أفراد، وبالتأكيد بالخبز وحده لا يحيا الإنسان.

والسؤال: لماذا غالباً تكون القرارات متسرعة ومتخبطة؟! لقد سبق أن اتخذت الحكومة قرارات مشابهة قبل فترة وجيزة، إذ رفعت أسعار الكهرباء والمحروقات، وخاصة الزراعية والصناعية والتجارية وأضرّت بالكثيرين من المزارعين الذين باتوا يستجرون الكهرباء بتكلفة عالية جداً تصل إلى 400 ل. س للكيلو واط الواحد، الأمر الذي سيدفع الغالبية منهم للتوقف عن الزراعة وكذلك بالنسبة لأصحاب الورش الصناعية والحرفية، الأمر الذي يدفع بالكثيرين منهم إلى إغلاق ورشهم ومصانعهم، وهذا كله بالنتيجة سينعكس سلباً على الإنتاج والاقتصاد الوطني، كما سينعكس سلباً على جيوب المواطنين المستهلكين الفارغة أصلاً.

ختاماً على الحكومة التأنّي بقراراتها والعودة عن مثل هذه القرارات المتخبطة واتخاذ قرارات مدروسة يمكن أن ترفد خزينة الدولة فعلاً، مثل محاسبة الفاسدين وأمراء الحرب وتجار الأزمات، واستعادة الأموال المنهوبة التي يمكن من خلالها توفير الدعم للزراعة والصناعة وإقامة المشاريع الجديدة التي توفر الأمن والأمان والاستقرار وتعيد الثقة بين المواطن الذي ضحى وصمد خلف جيشه وقاوم الإرهاب والحصار، وبقي صامداً صابراً في وطنه، وحكومته التي باتت بعيدة كل البعد عنه.

العدد 1104 - 24/4/2024