الرابط الوحيد هو الجنسية

وعد حسون نصر:

لوطنٍ سلب الدفء من ضلوعنا، فباتت هشّة أشبه بأعواد يابسة لا تستطيع أجسادنا الاستناد عليها، لوطنٍ بات أشبه بمقبرة دُفنت بها أحلامنا، ضحكاتنا وضحكات أطفالنا، ذكرياتنا الحزينة والجميلة، فغابت عنّا مشاعر الحنين، حتى الانتماء بات في الهوية فقط جنسيتي لا أكثر، فكيف لي أن أنتمي إلى مكان غاب عنه الأمان، وغُيّب فيه العلم واندثر عن مقاعد مدارسه، هاجرت أدمغته منه بسبب سوء المعيشة وفقدان مقومات البقاء، قُطعت الأشجار المُعمّرة لتصبح وقوداً في مدافئ الفقراء، ويا ليتها أشعرتهم بدفئها الذي لو كان وخز عذابها في ضمائر من اقتلعها أشدّ من برد الشتاء!! كيف لي أن أشمخ عالياً بعنق مهزوم مُكبّل بقيود الذل في وطن بِتُّ أحلم بمائه الساخن يغسل وسخ جسدي، ليصبح الاستحمام حلمي وحلم ملايين السوريين؟ كيف لي أن أفتخر وأتغنّى بأمجاد ماضٍ وحاضر تحت سقف وطن وأنا أُمضي ساعات طويلة من يومي في طابور الخبز والسكر والزيت؟ كيف لي أن أتغنّى بالنصر ومن مطبخي غاب الغاز وباتت اللقمة الشهيّة حلم أطفالي؟ مطابخ السوريين أضحت كأي غرفة نضع فيها ما نريد أن نهمله، ولم يعد يصلح للاستعمال، فقد اختفت منه رائحة طهي الطعام ومتعة النكهات!!

المواطنة في مفهومها هي الانتماء إلى وطن وهبني كل مقوّمات الحياة، وقبلها أعطاني الاحترام والحقوق والكبرياء، لكن في وطني بات القهر رفيق دربي وغابت كل المقوّمات لتفرض عليّ واجبات فقط وضرائب وفرمانات فاقت طاقتي وأنستني أنني سوري من وطن كبر بداخلي وعشّش في أجمل الذكريات، وبالرغم من قسوته علينا لا أستطيع أن أنكره، فلي في غوطتيه، في سهله وجبله أجمل الذكريات، وفي بحره رسائل دفء وسهرات.

لا يمكن أن ينسلخ الوطن من داخلنا، لكن الذل أفقدنا متعة الانتماء، أفقدنا الرغبة في البقاء تحت سمائه نعاني الجوع والبرد والحرّ مع فقدان الراحة ووسائلها من كهرباء وماء ووقود!

أعيدوا لنا وطننا كما عرفناه وكما عرفه الأجداد شامخاً في نفوسنا كبيراً في قلوبنا، هو منّا ونحن منه، أرجوكم أعيدوه لنا ففيه كل ذكرياتنا، فيه صورنا، فيه أول عشق وأول قصيدة على جدران منازلنا في حاراتنا، فيه ملاعب أطفالنا وركلات كراتهم في أزقّته والطرقات، في أشجار حمت رؤوسنا يوماً من حرارة الشمس ومطر الشتاء، لا نريد أن نهجره فبكل زاوية منه صوت أمهاتنا وتأنيب الآباء، أرجوكم أعيدونا للوطن فقد فقدنا الولاء وليس من شيمنا أن نكون عاقّين لوطن أعطانا اسمه، لكن مسحته قراراتكم المُجحفة من داخلنا لتجعلنا ننسى الولاء، أعيدوا لنا الولاء لأننا كسوريين بررة نحمل سورية في داخلنا من أول شهقة حياة حتى آخر زفرة للروح المفارقة للحياة.

العدد 1107 - 22/5/2024