مذكرة المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد حول الدعم الاجتماعي

كثرت التصريحات الرسمية والأحاديث في الفترة الأخيرة، وعبر وسائل الإعلام الرسمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، عن الدعم الحكومي للفئات الفقيرة والمتوسطة، وأشكاله وبدائله وأدواته المختلفة، والبعض تناول إمكانية إلغائه، وتحوّل الموضوع إلى حوار عام، يساهم فيه الجميع، وجاءت هذه التصريحات والتعقيبات التي ساهم فيها، إضافة إلى المواطنين، عددٌ من الخبراء والمختصين، في مرحلة تعاني فيها الفئات الفقيرة والمتوسطة من أزمة معيشية، تحوّلت، بعد قصور الحلول الحكومية لمعالجتها، إلى وضع مأساوي ينال من إنسانية المواطنين السوريين وكرامتهم.

ورغم صدور العديد من التصريحات الرسمية، مؤكدة استمرار الحكومة بالدعم الاجتماعي، ولكن وفق أسس مدروسة، توجِّه الدعم إلى مستحقّيه، فإن أوضاع المواطنين المعيشية شهدت المزيد من التدهور، وارتفعت أكثر فأكثر أسعارُ جميع السلع والخدمات، وجاءت التصريحات الرسمية المتضمنة دراسة حرمان بعض الفئات الاجتماعية (المقتدرة) من الدعم، وفق قاعدة بيانات تعدّها جهات حكومية، فزادت شكوك المواطنين حول جدّية الحكومة في استمرار هذا الدعم.

بدايةً، نكرّر ما أكّده حزبنا الشيوعي السوري الموحد مراراً، وهو أن الدعم الاجتماعي حق أساسي من حقوق المواطنين السوريين، ويُعدّ ركناً أساسياً من أركان النهج الاجتماعي الذي سارت عليه البلاد تطبيقاً لمبادئ الدولة الراعية، التي كانت منذ عقود.. وما تزال شعاراً رئيسياً من شعارات النظام السياسي في البلاد، وأن هذا الدعم يشكل تجسيداً واقعياً لإعادة توزيع الدخل الوطني بين الفئات الاجتماعية وفق مبدأ العدالة الاجتماعية، وأن الدعم الاجتماعي الحكومي أصبح ضرورياً أكثر من أي وقت مضى، بعد تداعيات الأزمة السورية ومحاولة الغزو الإرهابي التي أفشلها صمود شعبنا وتضحيات جيشنا الباسل، إذ أدّت هذه التداعيات، كتهديم القطاعات المنتجة.. وهجرة الرساميل الوطنية والأدمغة وذوي الخبرة والكفاءة من العمال، والحصار الظالم والعقوبات، إلى أزمة معيشية خانقة عانت منها الفئات الفقيرة والمتوسطة، تجلّت في ارتفاع جنوني لأسعار السلع الأساسية والخدمات، وتراجع الأجور الحقيقية للمواطنين، وفقدان العديد من المواد، ونموّ واضح للسوق السوداء وانتشار التهريب والهدر، وضعف كفاءة الإدارات القائمة على مبدأ الولاءات فقط، وظهور فئات طفيلية تقتنص هذه الظروف الصعبة لتكدّس المليارات، في الوقت الذي دخل فيه نحو 80% من المواطنين السوريين قسراً إلى قوائم الفقر والفقر المدقع.

لكن ما شهدناه منذ سنوات هو التوجّه المعاكس لضرورات المرحلة، فقد لجأت الحكومات المتعاقبة إلى (قَضْم) الدعم الاجتماعي شيئاً فشيئاً، وذلك عبر رفع أسعار العديد من السلع المدعومة (الخبز، المشتقات النفطية والغاز، السلع التموينية، السماد، العلف، الكهرباء، مازوت الصناعيين …الخ) متذرّعةً بالمصاعب الناجمة عن الحرب والحصار والعقوبات، مما أدى إلى مزيد من الارتفاعات المتتالية للأسعار، كذلك جرت زيادة الضرائب والرسوم غير المباشرة التي يتساوى في دفعها الفقراء والأغنياء، ما أدّى إلى تراجع إضافي لمداخيل المواطنين، وتراجع القيمة الحقيقية للرواتب والأجور بسبب التضخم وتدني قيمة العملة الوطنية.

لقد أصبح واضحاً أن النهج الذي تتخذه الحكومة.. وأصحاب القرار، هو تقليص الدعم الاجتماعي شيئاً فشيئاً وصولاً إلى إلغائه، وإلغاء التسعير الإداري، وتعويم الأسعار، وترك الأمر للسوق الحر من جميع القيود الاقتصادية والإدارية، وهذه الإجراءات سبق أن أوصت بها بعثة خبراء صندوق النقد الدولي في محادثاتهم مع الجانب السوري، في إطار مباحثات (المادة الرابعة) قبيل الأزمة السورية. وحسب تصريحات وزير المالية في مجلس الشعب مؤخراً، تستعدّ الحكومة لـ(توجيه) الدعم إلى مستحقيه، عن طريق حرمان فئات اجتماعية منه، ستختارها استناداً لبيانات تمتلكها عن أوضاعهم المالية، ورغم أهمية عدم استفادة الأثرياء من الدعم الاجتماعي، إلّا أن هذه الخطوة لن تخفف أعباء الدعم، إذ تبلغ نسبة الفقراء من المواطنين السوريين نحو 80%، والنسبة الباقية من المواطنين لا يشكل حصولهم على الدعم فارقاً كبيراً في زيادة حجم الدعم الإجمالي أو نقصانه. والمسألة الأكثر أهمية حسب اعتقادنا هي ضمان حصول المواطنين فعلياً على الدعم، وألّا يدخل في زواريب الفساد والسرقة، وأن تتوجه اعتمادات الدعم الاجتماعي إلى القطاعات التي تؤمّن السلع والخدمات للفئات الفقيرة، كالمشافي العامة والمستوصفات العمالية، ودعم السلع الغذائية الأساسية كالخبز والمواد التموينية والمشتقات النفطية، ورعاية أسر شهداء الإرهاب والجرحى. إن الدعم المقدّر في موازنة 2022 يبلغ نحو خمسة تريليونات ونصف تريليون ليرة، أي نحو 40% من حجم الموازنة، والمطلوب من الحكومة تسهيل وصول هذا الدعم إلى مستحقيه، وهذا ما ينبغي العمل عليه من قبل جميع القوى السياسية في البلاد.

إننا في الحزب الشيوعي السوري الموحد، نرى في هذه المرحلة، التي نعدّها من أخطر المراحل التي تمر بها البلاد في تاريخها الحديث، أن استمرار الدعم وتوجيهه وتخفيف الأعباء عن الفئات الفقيرة والمتوسطة التي باتت تشكل أكثرية الشعب السوري، كان وسيبقى عاملاً رئيسياً من عوامل الصمود في مواجهة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي، ومقاومة مخططات تقسيم سورية، ومن أجل ضمان السيادة السورية ووحدة الأرض والشعب.

ونودّ في هذا السياق أن نطرح هنا بعض الاقتراحات من أجل استمرار الدعم الاجتماعي، وتوجيهه إلى مستحقيه:

1-دعم القطاع الزراعي، بشقّيه النباتي والحيواني، عبر تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة من الحكومة، وهذا يشمل الوقود والسماد والعلف والبذار، مما يساهم في زيادة الإنتاج وانخفاض تكاليف الإنتاج وأسعار المنتجات.

2-دعم مستلزمات القطاع الصناعي العام والخاص، وخاصة الكهرباء والمشتقات النفطية، فكل زيادة في أسعار هذه المستلزمات سيدفع ثمنها المواطن.

3-توجيه الدعم الفعلي إلى القطاع الصحي العام (المشافي والمستوصفات العامة والعمالية) وتجهيزها بالأدوات والأجهزة والأدوية، وتنويع العيادات فيها، ورفدها بالأطباء المتخصصين والجهاز التمريضي، فقد أصبحت العيادات والمشافي الخاصة فوق مستوى القدرة المالية لأكثرية المواطنين.

4-الحفاظ على مبدأ التعليم المجاني بكل مراحله، وتوجيه الدعم الحكومي إلى القطاع التعليمي الذي بدأ يتراجع عن (مجانيته)، ويتجلى هذا التراجع في زيادة الرسوم، وزيادة مقاعد التعليم الموازي، ونقص مستلزمات التعليم الأساسي والثانوي، وخاصة في المناطق والأرياف، مما أدى إلى زيادة نسبة التسرب، ولجوء الأهالي، بهدف ضمان مستقبل أبنائهم، إلى الدروس الخصوصية أو تسجيلهم في المعاهد الخاصة، الأمر الذي يرهقهم مادياً ويكون غالباً على حساب بعض الضروريات.

5- زيادة الرواتب والأجور لجميع العاملين في القطاعين العام والخاص بنسب تنسجم مع الارتفاع المستمر لسلّة المواد والخدمات الأساسية، وبما يؤدي إلى تخفيف الأعباء المعيشية، ويساهم في زيادة الطلب على السلع، الذي سينعكس في النهاية على تحفيز القطاعات المنتجة.

6-زيادة الدعم الحكومي للخبز ومازوت التدفئة والسلع التموينية الأساسية، دون اللجوء إلى حرمان فئة من المواطنين من هذا الدعم، فالحرمان هنا يخالف المبادئ الدستورية، وقد يستغله البعض في إحداث شرخ في الجسم الاجتماعي.

7-محاسبة الفاسدين وناهبي المال العام، واستعادة الأموال المنهوبة، وملاحقة المتهربين ضريبياً بهدف زيادة إيرادات الخزينة، وتوفير القدرة على الاستمرار.. وزيادة الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة.

8-التوقف عن فرض أو رفع نسب الرسوم والضرائب غير المباشرة التي ترهق الفئات الشعبية، مما يؤدي إلى تخفيف العبء عن هذه الفئات، وكذلك اتباع أسس عادلة ومنطقية في فرض ضريبة الدخل المقطوع، ورفع نسبة الضرائب على الأرباح الحقيقية والريوع.

إن توجيه الدعم الاجتماعي باتجاه هذه القطاعات سيؤدي بشكل مباشر وغير مباشر إلى حصول الفئات المستحقة على الجزء الأكبر منه، دون اللجوء إلى تحييد فئات اجتماعية أخرى أو حرمانها.

إنها حزمة من الاقتراحات، يتقدم بها حزبنا الشيوعي السوري الموحد، لضمان استمرار الدعم الاجتماعي وتوجيهه للفئات الفقيرة والمتوسطة، بهدف دعم صمود بلادنا في مواجهة الاحتلال الأجنبي وبقايا الإرهاب ومحاولات التقسيم، والحفاظ على السيادة السورية.

إننا ندرك صعوبة المرحلة التي تمر بها بلادنا، وانعكاسات تداعيات الأزمة والغزو الإرهابي، لكننا من جهة أخرى ننحاز إلى الفئات الفقيرة والمتوسطة التي تعدّ، بجميع المقاييس، السند الرئيسي لجيشنا الباسل في تصدّيه للاحتلال والتقسيم، والحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً.

دمشق في    20/   12   /2021

 المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد

 

وقد أرسلت هذه المذكرة بتاريخه إلى الجهات المعنية في الدولة

العدد 1104 - 24/4/2024