مَن الرابح من إغضاب الصابرين؟!

كتب رئيس التحرير:

تثبت الوقائع يوماً إثر يوم، صحة ما نبهنا له منذ زمن طويل: الولايات المتحدة وحلفاؤها سيعرقلون أي جهد سلمي لحل الأزمة السورية، فالمطلوب أمريكياً وصهيونياً إسقاط الدولة السورية، كي يمرّر المشروع الصهيوني بالسيطرة على الشرق الأوسط برمته، وبعد أن فشلوا في تحقيق هذا المسعى عسكرياً باستخدام سكان (المغاور) الإرهابيين، يسعون إلى تأبيد أزمة السوريين، عن طريق معارضة الجهود السلمية الهادفة إلى تكريس سيادة الدولة السورية، ووحدة أرضها وشعبها، والحفاظ على خيارات شعبها السياسية والديمقراطية والدستورية.

الولايات المتحدة وشركاؤها وضعوا ملف الأزمة السورية في خانة (التجميد)، هذا ما أثبته السلوك السياسي للتحالف الدولي المعادي لسورية وشعبها، منذ بداية التحرك السلمي في أستانا وجنيف، وهذا ما تشير إليه المؤشرات العلنية، والإيماءات التي تسربت من لقاء القمة بين بوتين وبايدن، رغم تصريحات (الترضية) هنا وهناك، والموجهة لتخدير مشاعر السوريين الذين وجدوا في هذه القمة فرصة قد تتيح إخراج الملف السوري من (دروج) التريث.

لقد طالبنا نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد آنذاك، وما زلنا نلحّ، بضرورة تقوية صمود بلادنا وشعبنا، فالمعركة السياسية أشرس من المعارك العسكرية في كثير من الأحيان، ووضعنا أمام القيادة السورية، ووضع غيرنا أيضاً، حزمة من الاقتراحات لتأمين عوامل الصمود السوري في مواجهة الاحتلال الصهيوني التركي الأمريكي للتراب السوري، ومواجهة محاولات التقسيم وزرع الفتن الدينية والطائفية والإثنية، بهدف تفتيت تلاحم أطياف الشعب السوري، وزرع اليأس في صفوف المقاومين لنهج الهيمنة والاستباحة، وأكدنا أن تحسين الظروف المعيشية والاجتماعية لجماهير الشعب السوري هو حجر الزاوية في تصليب مواجهة السوريين للمخطط الأمريكي الصهيوني، وطالبنا الحكومة بتركيز جهودها على تحقيق هذا الهدف، وإعطائه الأولية، ولو تطلب الأمر تأجيل الاهتمام بنشاطات حكومية يمكنها الانتظار.

لكن تبيّن، من خلال متابعة سياسات الحكومة خاصة خلال الفترة الأخيرة، أنها غير عابئة لا بالظروف المأسوية للفئات الفقيرة والمتوسطة، ولا بعوامل صمود بلادنا وشعبنا.

نفهم جيداً أن جميع الحكومات تسعى إلى زيادة إيراداتها، خاصة في ظروف مشابهة للظرف السوري، لكننا نفهم أيضاً أن هذه الزيادة تأتي من الفئات الثرية، المقتدرة، المستفيدة من الظرف الاستثنائي، التي كدست أرباحها في ظله، لا من جيوب الباحثين عن لقمة خبز وحبة دواء!

لقد غضب الرأسمال الطفيلي من البطء في تنفيذ سياسات خصخصة قطاع الدولة الصناعي والمرافق العامة، فاشتغلت آلية التشريع الحكومية على إخراج تشريعات لتحويل ملكية الدولة إلى شركات مساهمة مفتوحة الأبواب لمن هبّ ودبّ من مقتنصي الفرص!

وغضب تجار الأسواق السوداء وبعض المستوردين من دعم الحكومة لأسعار مستلزمات النشاط الاقتصادي الأبرز في بلادنا، وهو الزراعة والثروة الحيوانية، فعمدت إلى رفع الدعم عن هذه المواد، وحلقت أسعارها مهدّدةً الأمن الغذائي الذي حافظنا عليه طويلاً.

وغضب المستوردون وأصحاب شركات الدواء من حماية الحكومة لأسعار الدواء، وهددوا بالتوقف عن الإنتاج، فرفعت الحكومة أسعار الدواء، في الوقت الذي همّشت تطوير الصناعة الدوائية للقطاع العام!

والسؤال اليوم: هل تسعون إلى إغضاب جماهير الشعب السوري الباحثة عن الغذاء والدواء والدفء، كي تتكرموا عليها بسماع أنينها؟

من الرابح من إغضاب الصابرين حتى اليوم، الذين وقفوا خلف جيشهم الوطني في مقاومة الإرهاب، وقدموا تضحيات لم يقدمها شعب آخر من أجل سيادة بلادهم ووحدة مكوناتهم؟

مهلاً أيها السادة.. سورية تواجه أخطر مرحلة في تاريخها، ولا يجوز الاستخفاف بمتطلبات هذه المرحلة.. فهل تسمعون؟!

العدد 1104 - 24/4/2024