خُلقنا لنموت أحياء!

ريم داود:

شبح يطاردنا، خوف يلازمنا، وقلق من المستقبل، آلات تشوّش، وهمٌ بعدم قدرتنا على تلبية احتياجاتنا واحتياجات أبنائنا اليومية، غلاء فاحش وتحليق جنوني لأسعار المنتجات دون استثناء شيء منها، والذرائع باتت معروفة واضحة وكأننا نحيا وسط غابة نطارد فيها كغزلان تائهة.

لقد أصبحت الحياة قاسية صعبة المنال وكأنها إعصار يحصد كل ما في طريقه دون التفات إلى الأضرار الجسيمة التي يخلفها وراءه.

كساد واضطراب اقتصادي، ضيقة خانقة، قلة، ثقل وحصار لم يشهده المواطن السوري منذ عهود وأزمان، ووسط زحام هذه الصعوبات والعراقيل التي تطول المواطنين، تتسابق المدارس الخاصة في رفع أقساطها السنوية متباهية مختالة في ذلك، وكأننا في مضمار والأفضلية للرابح.

في كل عام من شهر آذار تفتح المدارس أبوابها لاستقبال دفعة جديدة من الطلاب وتثبيت قيد القدامى منهم، فقد أصبح من الاعتيادي والمألوف لنا مع بداية كل عام دراسي جديد فرض رسوم سنوية جديدة وزيادة محتمة على القسط المدرسي والذرائع أيضا باتت معروفة.

ما بين ٨٠٠ ألف ومليون ونصف المليون ليرة سورية هو المبلغ الذي جرى التصريح عنه كأقساط مدرسية للعام المقبل، وهذا بحد ذاته تهويل، فجميعنا يعلم أن نسبة الطلاب التي ترتاد المدارس الخاصة ليست بقليلة أبداً.

لم تكن الزيادة بهذا الحد متوقعة من قبل الأهل خصوصاً في ظل ظروف معيشية قاهرة، في حين يتبجح البعض مثرثراً: (اللي مو قادر يدفع يشيل ولادو.. المدارس الرسمية موجودة!).

وفسر الماء بعد الجهد بالماء وكأن العلم أصبح حكراً على أبناء الأغنياء! ألا يعلم القائمون على تلك المدارس أن معظم الأهالي يقترضون ويستلفون متكبدين شقاء العمل الإضافي بغية تدريس وتعليم أبنائهم إيماناً منهم أنهم يستثمرون أموالهم في دراسة أولادهم؟!

أما عن حديث المدارس الخاصة وحججهم الواهية بزيادة الأقساط بهدف زيادة رواتب المدرسين والمازوت وغير ذلك فهي مبالغة لا أكثر اعتدنا سماع سيمفونيتها.

إننا اليوم كآباء وأمهات نقف موقف المحتار في أمره، فهل نقبل هذا الابتزاز الواضح والجشع غير المقبول من قبل مسؤولي المدارس الخاصة؟ أم ننطلق بأبنائنا إلى المدارس الرسمية التي تعاني تضخماً طلابياً داخل الشُّعَب ويصل عدد الطلاب في الشعبة الواحدة إلى ستين طالب أو أكثر؟

فكلنا ندرك وبتنا على يقين بواقع المدارس الرسمية والفجوة الكبيرة بينها وبين نظيرتها الخاصة، لكن ذلك لا يقدم المسوغات لأصحاب المدارس الخاصة في استغلال رائديها والضغط عليهم، ولن ينكر أصحاب تلك المدارس أن أولياء أمور معظم الطلاب قاموا بسحب أضابير أبنائهم وإيقاف تسجيلهم تائهين غارقين فيما طلب منهم من مبالغ ضخمة، فضلاً عن أن لبعض الأهالي طالبين أو ثلاثة داخل المدرسة الواحدة، فمن أين تؤمن تلك العائلات أقساط أبنائها؟ وهل تكون جريمة هذه العائلات أنها أرادت الاستثمار في تعليم أبنائها تعليماً شبه مقبول وسط هذه الظروف المتردية؟

أما المضحك في الأمر والمفاجئ فيه فهو أن حسومات هذه المدارس لا تتجاوز العشرة آلاف ليرة سورية على الطالب الواحد في حال طالب الأهل بحسومات، فكيف تحسب الموازين وتزان الأمور؟

إننا اليوم نتساءل هل هناك قانون واضح ينظم عملية زيادة الأقساط المدرسية بشكل أو بآخر؟ أم أنها أصبحت موضة لدينا؟

فحسب ما ذكر سابقاً فالزيادة التي أقرت وسمحت بها وزارة التربية هي ٥% لكن من الواضح والجلي لنا أنه ليس هناك أدنى التزام بهذه المعايير والقوانين، فكل عام نشهد ارتفاعاً يفوق سابقه وهل من المعقول أن ترتفع الأقساط لهذا العام أكثر من الضعف؟

وإن كانت الزيادة لهذا العام قد وصلت بنا إلى مليون ليرة سورية، فنحن إذاً على موعد مع أقساط تصل إلى مليونين في العام القادم.

كلها أسئلة واستفسارات نترك الإجابة عنها بيد المعنيين آملين سائلين لله أن يخفف عنا أعباء هذه الأوضاع وعناءها وشقاءها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024