استيراد معلّب للعلوم
د. أحمد ديركي:
يذهل العقلَ البشري ما يجري في هذا العالم من تطورات علمية، وبالتحديد في الدول الأكثر تطوراً. وبخاصة فيما يتعلق بعلوم الفضاء.
نظر القدماء إلى القمر، وعملوا جاهدين لتطوير وسائل وعلوم تساعدهم في الوصول إليه، ولكنهم فشلوا في تحقيق هدفهم المنشود. فشلهم لا يعني أن ما صاغوه من علوم لم تساعد، فما بني عليها أوصل وحقّق حلم الوصول إلى القمر.
في أواسط القرن الماضي استطاع الجنس البشري تحقيق الهدف. ومن حققه هي الدول الأكثر تطوراً في حقل العلوم، وكانت في حينه مقسومة إلى قطبين سياسيين متناقضين في الإيديولوجيا، وهما الاتحاد السوفييتي والولايات الأمريكية المتحدة.
تمثل الصراع بينهما، في أحد أوجهه، بالصراع على تطوير العلوم، فكان الاتحاد السوفييتي أول من استطاع الوصول إلى القمر من دون الهبوط عليه، وكانت أمريكا أول من استطاع الهبوط عليه.
منذ ذلك الوقت حتى تاريخه ما زالت علوم الفضاء في تطور مستمر، بما يتوافق مع الظروف التي تسمح له بالتطور. تفكك الاتحاد السوفييتي، وتسيّد الفكر الأمريكي على العالم، وتطورت العلوم وبخاصة فيما يتعلق بعلوم الفضاء، وإن كان وجهها الأساسي عسكرياً، ولكن أضيف إليه الوجه التجاري.
فأصبح بإمكان البشر، طبعاً ليس كلّهم بل من يملك ما يكفي من الأموال، الذهاب في رحلة بالطائرة لاختبار العيش، لفترة زمنية قصيرة، انعدام الجاذبية، وقريباً سوف يكون هناك محطة فضائية ما بين القمر والأرض يمكن الإقامة فيها كمنتجع سياحي، يضم أوتيلات ومقاهٍ و…غير ذلك.
من القمر إلى المريخ، الكوكب الحلم للبشر. وصل الإنسان إلى المريخ بشكل غير مباشر منذ سنوات قلية. فقد استطاع إرسال مركبة حطت على المريخ وأرسلت منه صوراً ومعلومات تفسر حالته الفيزيائية والطبيعية. استمر العمل على تطوير المعرفة وصولاً إلى إرسال مركبة مروحية إلى سطح المريخ. مروحية حطت على سطحه منذ ما يقرب من أسبوع، وتستطيع الطيران من نقطة إلى أاخرى على سطحه! واعتبر العالم الفيزيائي ميشال كوكو هذا إنجازاً آخر للبشرية في اكتشاف الفضاء.
لكن كل هذا التطور العلمي لم يأتِ من فراغ، بل توافرت له الظروف المناسبة ليصل إلى هذا الحد من التطور واستكمال مسيرته. وقد يكون أحد اهم الشروط لتطوره هو الاستثمارات الضخمة في مجال العلوم، إضافة إلى الفرص العلمية المتاحة للمهتمين بهذا الأمر. وطبعاً الاستثمار يبحث عن استرجاع رأس المال المستثمر وما يمكن أن يحقق من أرباح إضافية. ولهذا فإن تطوير العلوم في جانب منه يخضع لشروط الاستثمار.
بينما ما هو قائم في العالم العربي مجرد استيراد للمعرفة السطحية الصالحة للاستهلاك المحلي وتكريس ما هو قائم على كل المستويات. من هنا فإن العمل على تطوير العلوم لإنتاجها لا يكون فقط بالاستيراد المعلب لها وفقاً لخدمة ما هو قائم، بل لتغيير ما هو قائم وإنتاج البديل عنه، وهذا، على ما يبدو، غير مسموح به!