شباب سورية وتحديات الحاضر والمستقبل

إيمان أحمد ونوس:

يُعتبر الشباب في أيّ مجتمع هم الرقم الأهم والأساس في معادلة المواطنة والتنمية والإبداع على مختلف المستويات، بما يملكونه من مرونة الفكر والعقل القابل لتشرّب كل جديد، إضافة إلى المحاولة الدائمة لابتكار أساليب وأنماط جديدة من حيث التعامل مع قضاياهم الخاصة أو قضايا المجتمع العامة.

فالشباب إذاً ثروة وطنية هامة أثمن وأعظم من باقي الثروات الأخرى التي لا يمكن لها أن ترى النور لترتقي بالمجتمع أو الدولة، إن لم يكن هناك استثمار حقيقي وفاعل لطاقات الشباب الذين كانوا قبل سنوات عشر يشكّلون ما نسبته (60%) من مجموع السكان، وهذا ما يمنح أيّ مجتمع إمكانية التجدّد والتطوّر المستمر والدائم بما يدفع عجلة التنمية المُستدامة إلى الأمام، هذا فيما لو تمّ تفعيل دور الشباب بشكل جاد وحقيقي، من خلال إشراكهم في عملية صنع القرار، واستغلال قدراتهم المتنوّعة في عملية الإنتاج متعدّد الاتجاهات على مختلف المستويات، وكذلك منحهم الثقة الأكيدة والراسخة بإمكاناتهم وأنفسهم، عبر تأمين احتياجاتهم كافة، وخلق الفضاء الملائم لهم نفسياً ومادياً سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى الدولة.

لكن، إذا ما نظرنا إلى واقع شبابنا اليوم، نجد أنهم ورغم كل ما جرى على مدى سنوات الحرب ما زالوا الوقود دائم الاحتراق وفقاً لآثار الحرب المُدمّرة والتي ما زالت نيرانها مشتعلة في بعض المناطق، وتبعاً لما خلّفته على مختلف المستويات الاقتصادية في المناطق التي انطفأ فيها لظى الحرب بعد تدمير البنية التحتية للعديد من المعامل والمصانع التي كانت قائمة على سواعد العمال من الشباب والتي تمّ توقّف العمل في بعضها، إضافة إلى فقدان العديد منهم (من الجنسين) عمله لأسباب أخرى، ما خلق نسبة من البطالة أُضيفت إلى النسب التي كانت مرتفعة أساساً قبل الحرب والتي كانت أحد أهم أسباب الأزمة التي عصفت بالبلاد. وكذلك ندرة فرص العمل اليوم بسبب هجرة الرساميل التي اتجهت للاستثمار خارج البلاد بسبب انعدام الأجواء المُشجّعة على الاستثمار والعمل فيها، يُضاف إلى ذلك الارتفاع الجنوني بل والأسطوري لأسعار مختلف السلع بدءاً من رغيف الخبز وليس انتهاءً بالبيت (الذي بات امتلاكه أو حتى استئجاره حلماً صعب المنال) وما بينهما من خدمات واحتياجات بات تأمينها ضرباً من الخيال وحتى المستحيل لشرائح ليست بالقليلة في المجتمع السوري الذي تقبع غالبيته اليوم في خانة الفقر أو تحت خط الفقر بما فيها شريحة الشباب من الجنسين. وقد أظهر تقرير للصليب الأحمر الدولي (أن ما يقرب من نصف الشباب السوري فقدوا دخلهم بسبب الحرب، وأن هناك نحو ثمانية من كل عشرة شباب يواجهون صعوبات من أجل توفير الطعام والضروريات الأخرى)، ويُضيف التقرير إن شباب سورية تكبّدوا خسائر شخصية فادحة خلال الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات في بلادهم، ولا تزال تقع على عاتقهم مهمة إعادة بناء وطنهم المُمزّق).

في ظلّ هذا الواقع المرير، وفي ضوء المعلومات التي رصدها التقرير المذكور نجد أن الشباب السوي اليوم أمام تحدّيات صعبة ومُعقّدة في مواجهة ظروف الحاضر المأساوية، تحدّيات تؤرّقه وتتركه عرضة للكآبة والعزلة أو اللامبالاة، ما دفع بالبعض لتعاطي المخدرات هرباً من واقعه ومسؤولياته، كما دفع بعضهم الآخر لسلوكيات أو أعمال غير قانونية ولا أخلاقية لتأمين احتياجاتهم الذاتية واحتياجات أسرهم التي فقد البعض منها معيلها بسبب الموت أو الهجرة أو…الخ، غير أن المؤلم والمُفجع حقيقةً هم أولئك الشباب الذين تلقوا بعض الإصابات الجسدية المُعيقة للعمل بشكل كاف، وآخرون باتوا بحالة إعاقة تامّة وبحاجة ماسة لمن يقدم لهم أساسيات البقاء، يُضاف إليهم أولئك الذين باتوا اليوم لا يرون أفقاً واضح المعالم لمستقبلهم وآمالهم وطموحاتهم التي وضعوها يوماً نصب أعينهم وكانوا قد بدؤوا العمل على تحقيقها، ومع اشتعال لهيب الحرب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، صارت آمالهم وتلك الطموحات مجرّد خيالات أو أحلام خاوية لا يمكن الوصول ولو إلى نُتَفٍ ضئيلة منها، فانطووا على أنفسهم يقتاتون قهرهم، ويتجرّعون كأس خيبتهم التي لا ذنب لهم فيها سوى أنهم جاؤوا إلى الحياة في الزمن الصعب الذي سلب بعضهم أجمل سني عمره وحيويتها حين غاب في القتال لسنوات ليست قليلة، ليعود بعدها للحياة خاوي الوفاض إلاّ من حزنه وانهزامه أمام كل الدمار الذي حصد البلاد والعباد والأخلاق والقيم، فحلّ بدلاً عنها قيم النهب والسلب والمتاجرة حتى بقوت الناس ووجعهم، واستعلاء منتهزي الفرص والظروف ليصبحوا سادة المصير الذي بات مجهولاً لغالبية الشباب من الجنسين.

لقد أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2250 نهاية العام 2015 إدراكاً منه أن أولئك الشباب يشكّلون الغالبية المُتضرّرة في النزاعات والحروب، ويعترف كذلك بالدور الهام الذي يمكن للشباب أن يضطلعوا به كقدوة مجتمعية في محاربة التطرّف والعنف اللذين يُفضيان إلى عرقلة التنمية بمختلف مستوياتها واتجاهاتها، وذلك عبر مشاركتهم الضرورية في الحياة السياسية والاقتصادية خاصة، وصولاً إلى إسهامهم في بناء السلام خلال الحروب وبعدها من خلال نزع السلاح والتسريح وإعادة إدماجهم في المجتمع مع مراعاة احتياجاتهم الخاصة بعد الحرب. وكل هذا يتطلّب من الحكومات دعم المنظمات ذات القيادات الشبابية، وتلك المعنية ببناء السلام باعتبارها شريكة في برامج تنظيم المشاريع الشبابية الحرة. وكذلك وضع سياسات خاصة بالشباب كتمثيلهم في مواقع صنع القرار على جميع المستويات في المؤسسات والآليات المحلية والوطنية والإقليمية. مثلما يقتضي ضمان حقوقهم كافة وتوفير الحماية لهم من مختلف أشكال العنف الجنسي والجنساني. كما يُشدّد على أهمية تهيئة بيئة تمكينية لتنفيذ أنشطة تناسب اهتماماتهم وميولهم وتُعزّز جهودهم في المشاركة البنّاءة في تعزيز ثقافة السلام والتسامح والحوار بين الثقافات والأديان، فالشباب الذين أضاعتهم بلدانهم، وفقدوا الرغبة والقدرة على الانتماء، لا يرون طريقاً آخر غير العبث والاستهتار أو الهجرة!؟ لذا، لم يعد أمام تلك الحكومات إلاّ الاهتمام بأولئك الشباب وتلبية احتياجاتهم كافة لأنَّهم الأساس في إعادة البناء والإعمار لاسيما بناء الإنسان.

العدد 1104 - 24/4/2024