التضخم المفرط

د. عامر خربوطلي:

أعلن المكتب المركزي للإحصاء في سورية منذ عدة أيام أن معدلات التضخم لعام 2020 ارتفعت بنسبة 200% عن عام 2019، وهي نسبة كبيرة غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد السوري، وتحمل في طياتها منعكسات اقتصادية واجتماعية لا تحمد عقباها، في مقدمتها تدهور القوة الشرائية للعملة المحلية وتراجع مستوى المعيشة إلى مستويات شديدة الوطأة على الجميع.

 ورغم أن التضخم كظاهرة اقتصادية تعتبر معقدة ومركبة نتيجة اندماج السبب مع النتيجة، فالتضخم يمكن تشبيهه بالورم في الجسد الاقتصادي، فهو خلل ما بين تدفقات الطلب المعبر عنها بالكتلة النقدية وتدفقات العرض المعبر عنها بالكتلة السلعية، هذا الخلل أو الورم إن صح التشبيه يؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسد أي إلى ارتفاع الأسعار، ولكن ارتفاع الحرارة والأسعار تؤدي تلقائياً إلى زيادة الورم والخلل البنيوي الموجود أصلاً.

فهل تبدأ المعالجة بالآثار والمنعكسات أم بالأسباب الحقيقية؟

بالعودة للحالة السورية هل نعتبر ما يجري تضخماً بالأسعار أي الارتفاع المفرط في الأسعار أم هو تضخم بالدخل أي ارتفاع الدخول النقدية وتضخم الأرباح، أم هو تضخم في التكاليف التشغيلية أم هو تضخم نقدي صرف يتمثل في الإفراط في إصدار العملة النقدية أم هو تضخم في الائتمان المصرفي أم هو جميع تلك الحالات وبصورة مختلطة؟!

وهل منشأ التضخم الحالي الذي نلمس حرارته بالارتفاع المستمر والحاد للأسعار التي لم تعد تلامس الدخول الهشة والمتدنية لحوالي 80% من أفراد الشعب السوري وإنما هي تحلق في عالم آخر غير موجود!

هل هذا المنشأ ناجم عن ارتفاع التكاليف أم ناشئ عن الطلب أم أنه حاصل من تغيرات كلية في تركيب الطلب الكلي في الاقتصاد وفي هذه الحالة تكون الأسعار قابلة للارتفاع وغير قابلة للانخفاض رغم انخفاض الطلب.

أم أن منشأ التضخم هو نتاج الحصار الاقتصادي الذي تتعرض له سورية بصورة قاسية أم أنه نتيجة الزيادة في قيمة الفوائد النقدية عن قيمتها الانتاجية أو الحقيقية وعلى مبدأ (بالأضرار تُعرف الأشياء) فإن الازدهار الاقتصادي يزداد كلما اقتربت قيمة الفائدة من الصفر وبالتالي فإن التراجع الاقتصادي يزداد مع ارتفاع معدلات الفائدة.

ومع كل ذلك فهل التضخم في سورية الذي يترافق بصورة متناقضة مع الركود الشديد في الأسواق غير قابل للمعالجة، أم أن هناك جملة من السياسات المالية والنقدية يجب تطبيقها ما أمكن لمحاولة التحكم بهذه الظاهرة الخطرة؟

 على صعيد السياسة المالية هناك ضبط عجز الموازنة وإصدار سندات الدين العام لسحب النقد الفائض ورفع الضرائب على السلع الكمالية وخفض الانفاق الحكومي.

أما على مستوى السياسة النقدية فهناك زيادة سعر إعادة الخصم من قبل البنك المركزي في القدرة الائتمانية للمصارف وتقليل حجم السيولة المتداولة في السوق.

إضافة إلى دخول البنك المركزي إلى الاسواق بائعاً للأوراق المالية لسحب السيولة الفائضة وزيادة نسبة الاحتياطي القانوني التي تحتفظ بها المصارف لدى البنك المركزي، إضافة إلى اعتماد فائدة مرنة والتفريق بين القروض قصيرة الأجل وطويلة الأجل.

وأخيراً، فإن جانب العرض يمثل الجانب الأخير المهم والمهمل أحياناً لمعالجة التضخم والذي يتمثل في تعظيم الإنتاج وتنويعه وتنشيط جميع أنواع المشروعات والورشات لمواجهة فائض الكتلة النقدية.

 إنها مجرد تساؤلات وفسحة للنقاش لتجاوز مأزق التضخم المهلك.

العدد 1104 - 24/4/2024