الصناعة والعام الجديد

فؤاد اللحام:

أن يكون العام الجديد أفضل من العام السابق.. أمنية متواضعة وشاملة ليس على المستوى السوري وحسب بل على مستوى العالم الذي شهد في العام الماضي ويلات وكوارث لم يشهدها منذ عشرات السنين.

في سورية، ولأن القطاع الصناعي يترابط أمامياً وخلفياً مع القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى ويؤثر ويتأثر بها، فإن وضع هذا القطاع يعطي صورة واضحة عن أداء الاقتصاد الوطني بشكل عام، على الرغم من بعض الاستثناءات هنا وهناك الناجمة عن مشاكل هذا القطاع ومسبباتها.

استمرار الحصار والعقوبات وتداعيات جائحة كورونا وقانون قيصر داخلياً وخارجياً، على الرغم من أهميتها وقساوة نتائجها، لا يمكن اعتبارها السبب الوحيد والأساسي فيما عانته الصناعة السورية وما وصلت إليه في عام 2020. فقد أصبح واضحاً أن الإجراءات والقرارات الحكومية في معظمها كان لها الدور المكمل، بهذا الشكل أو ذاك، في ازدياد حدة المشاكل والصعوبات التي واجهت الصناعة السورية في العام المنصرم.

فباستثناء عدد محدود جداً من هذه القرارات والإجراءات الايجابية، كانت القرارات الأخرى موزعة بين الارتجال والتسرع، أو التأخر والتباطؤ، أو عدم التطبيق والتنفيذ. فقسم من القرارات اتُّخذ بشكل متسرع وسرعان ما ثبت عدم جدواه وقصوره في تحقيق الأهداف المعلنة منه، ومن ثم جرى البحث في وقف تنفيذه أو تعديل تعليماته التنفيذية، وأحد الأمثلة على ذلك هو إعادة قطع التصدير ومؤونة الاستيراد.

والقسم الآخر الذي يرتدي أهمية خاصة في إعادة تأهيل المنشآت الصناعية وتشغيلها وتمكينها من تلبية الحاجة المحلية والتصدير يجري التأخر والمماطلة باتخاذه، وأحد الأمثلة على ذلك هو موضوع التمويل ومعالجة القروض المتعثرة.

والقسم الآخر يضم الإجراءات والقرارات التي اتُّخذت دون دراسة كافية لإمكانيات تطبيقها وتنفيذها حال صدورها، والمثال على ذلك هو موضوع إحداث مؤسسة ضمان مخاطر القروض.

اضافة إلى كل ما ذكر، ما يزال مشروع قانون الاستثمار الجديد قيد المناقشة منذ أكثر من خمس سنوات دون صدوره حتى الآن. كما يبدو أن قانون التشاركية لم يحقق الأهداف المرجوة منه، فقد أشار رئيس مجلس الوزراء السابق، إلى أن الخطوات في هذا الاتجاه ما زالت بطيئة، ولم ترتق حتى الآن إلى رؤية الحكومة بنشر هذه الثقافة الاقتصادية لإقامة مشروعات استثمارية وفق التشاركية مع القطاع الخاص. مشيراً إلى أهمية تفعيل القانون وتبسيط التعليمات التنفيذية. وقد أكد رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي أنه لم يتم حتى الآن دراسة جدوى حقيقية بالمفهوم الصحيح للتشاركية، وما تزال المراوحة في المكان هي السمة البارزة. مشيراً إلى وجود نقص كبير في الخبرة الخاصة بمشروعات التشاركية، ذلك أن مقترحات المشروعات الجديدة لا تمثل أكثر من مجرد أفكار أولية تفتقد الحد الأدنى من المعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات بشأنها، على الرغم من طول المدة الزمنية المنقضية منذ طلب هذه المعلومات. وهو ما قد يشير إما إلى عدم جدية الاقتراح، وإما إلى عدم قدرة الجهة العامة صاحبة الاقتراح على جمع المعلومات المطلوبة، ما يؤكد تشتت عملية اقتراح الأفكار الاستثمارية ذاتها في عدة مناسبات، وعلى مسارات تعاقدية مختلفة، بخلاف التشاركية.

إضافة إلى كل ذلك، وعلى الرغم من الاجتماعات العديدة عالية المستوى التي عقدت مع غرف الصناعة والتي تضمنت الموافقة على العديد من المطالب، فإن معظم ما أُطلقت الوعود بتنفيذه في نهاية هذه الاجتماعات واللقاءات لا ينفَّذ. وأكبر مثال على ذلك هو قرارات المؤتمر الصناعي الثالث الذي عقد بحلب بتاريخ 5/11/2018 بحضور مجلس الوزراء، ومن ثم اعتماد توصياته في اجتماع لاحق للحكومة بتاريخ 21/1/2019، ذلك أن معظم توصياته حسب تصريح رسمي لرئيس اتحاد غرف الصناعة السورية لم تنفذ. وعليه جرى تأجيل المؤتمر الصناعي الرابع الذي كان مقرراً عقده في دمشق بتاريخ 23/11/2019 حتى إشعار آخر.

لا أحد يغفل دور الحصار والعقوبات فيما وصلت إليه الصناعة السورية بشكل خاص والاقتصاد السوري بشكل عام. لكن السؤال الأهم في هذا المجال: ألم يكن من الممكن أن يكون التعامل مع كل هذه الأمور ومسبباتها ونتائجها بشكل أفضل والحيلولة دون تجفيف مصادر متنوعة للدخل الوطني والعمل على تنميتها من خلال تلبية جزء من احتياجات هذه المصادر وفي مقدمتها الصناعة والزراعة؟ إضافة إلى سؤال آخر يقول: أما كان من الممكن أيضاً ربط الإجراءات اليومية بخطة أو رؤية أبعد مدى من ذلك، بحيث يكون الإجراء اليومي جزءاً ممهداً أو مكملاً لاستكمال هذه الرؤية وتنفيذها؟

الكل يتمنى أن يكون العام الجديد أقل سوءاً من العام المنصرم، بل أن يكون أفضل منه. وحتى لا تكون هذه الأمنيات والآمال أوهاماً وأحلاماً، ينبغي على الجهات المعنية اعتماد سياسات بديلة فيما يتعلق بمعالجة أوضاع الصناعة السورية ومشاكلها، تكون أكثر جدية وفعالية وبمشاركة حقيقية من الأطراف المعنية كافة.

العدد 1104 - 24/4/2024