بعد عامٍ فاقمَ أوجاعَ السوريين.. هل يأتي القادم بالانفراج؟

كتب رئيس التحرير:

رغم تفاؤل شعبنا بنهاية المأساة السورية التي دفع ثمنها غالياً خلال عشر سنوات، خاصة بعد استعادة جيشنا الوطني معظم الأراضي السورية، واقترابه من إنهاء وجود الإرهابيين على التراب الوطني، وتكثيف الجهود الدولية التي تقودها منصّة (أستانا) والأمم المتحدة لإنجاح الحل السلمي للأزمة السورية، فقد اصطدم تفاؤله هذا بوقائع قاسية خلال العام المنصرم، جعلت من التفاؤل مخاطرة كبرى.

فقد صعّدت الولايات المتحدة من ممارساتها العدوانية تجاه سورية، وعرقلت جميع المحاولات الرامية إلى إيجاد حلّ سياسي لمأساة السوريين، وشدّدت حصارها السياسي والاقتصادي عن طريق العقوبات الهادفة إلى خنق سورية وشعبها، ومنع إنهاض اقتصادها الوطني، بإقرارها (قانون قيصر) والتشدّد في تطبيق بنوده، ولوّحت لجميع الدول المنطقة بشروطها لحل الأزمات وفق جوهر الصفقة الكبرى: (صفقة القرن)، أي بكلمة أوضح: دعوا الكيان الصهيوني يمارس استباحته للمنطقة وستُحَلّ جميع الأزمات والمعضلات، وهذا ما كان يسعى إليه بعض إخواننا في الجامعة العربية، فبدؤوا سرّاً وعلانيةً (موسم الحجّ) إلى الكيان الصهيوني وتسليمه مفاتيح قصورهم واقتصاداتهم وبلدانهم!!

لكن تفاقم مصاعب السوريين المعيشية لم يكن سببه محصوراً فقط بالضغوط السياسية والاقتصادية التي قادتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، بالرغم من قساوة هذه الضغوط، بل جاءت أيضاً بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها الحكومة السورية خلال العام الماضي، والتي يمكن اختصارها بأمرين اثنين:

الأول: هو استمرار إعادة هيكلة الاقتصاد السوري باتجاه السوق.

الثاني: إفهام الجميع بأن زمن الدولة الراعية لمصالح الفئات الفقيرة قد ولّى.

أما السبب الثالث لازدياد معاناة السوريين خلال العام المنصرم، فقد كانت جلاء المشهد الذي كان متوارياً.. إذ أَبْعَدَتْ حزمةٌ من المستوردين والتجار وأسياد السوق والفاسدين المقرّبين من أصحاب القرار، هذه الحزمةُ أبعدَت الحكومةَ وأدواتِها الاقتصادية والمالية والنقدية والرقابية عن التدخل في العملية الاقتصادية، وانفردت بممارسة (ساديّتها) تجاه من دفعوا الثمن الأغلى لدعم جيشهم الوطني في مواجهة الإرهاب؛ وهكذا أصبحت لقمة الفئات الفقيرة والمتوسطة، ودفؤها ودواؤها، صعبة المنال، في الوقت الذي اكتفت فيه حكومتنا بإطلاق الوعود.. والتصريحات التي أثارت غالباً غضب الشارع السوري.

مؤشرات عديدة تبدو اليوم، تدل على سيناريوهات متعددة لحل الأزمة السورية، لكنها تبقى رغم ذلك مؤشرات، أما ما هو واضح ويعرفه السوريون جيداً، فهو أن الأطراف المتداخلة في الأزمة السورية لم يجدوا حتى الآن وسيلة للتوفيق بين مصالحهم، لكن شعبنا يعرف أيضاً أن طموحاته إلى وطن حرّ.. وسيّد وموحّد أرضاً وشعباً، وديمقراطي وعلماني، هذه الطموحات غير قابلة للمساومة في لعبة المصالح الدولية، التي يبدو واضحاً حتى اليوم أن الرابح الأكبر فيها سيكون الأمريكي وحليفه الصهيوني و(صبيانه) المهرولين والمطبعين.

الانفراج آتٍ، لكنه سيأتي بجهود السوريين المتوافقين الذين يرفضون التنازل عن طموحاتهم إلى وطن حر وشعب موفور الكرامة، الانفراج آتٍ، كما قال الشيوعيون خلال سنوات الأزمة، وكما قاله حزبنا الشيوعي السوري الموحد في مؤتمره الثالث عشر، لا بالتنازل عن الثوابت الوطنية لإرضاء الامبريالية الأمريكية والصهيونية، بل بمقاومة الضغوط والحصار بالاستناد إلى وحدة الشعب السوري وقواه الوطنية المخلصة وحلفائه الأوفياء.

الطريق إلى تحقيق الانفراج يبدأ بتجميع جهود الجميع.. لكنه يتطلب أيضاً تأمين مستلزمات صمود الشعب في مواجهة الإمبريالية الأمريكية وحلفائها.

وهذه_ وللمرة الألف_ مسؤولية القيادة العليا في سورية.. مسؤولية أصحاب القرار، فالجائع لن يصمد والمهمَّش لن يواجه، والمحبَط لن يقاوم!

استحقاقات كبرى أمام بلادنا وشعبنا، وفي مقدمتها استحقاق إنهاء وجود الإرهابيين على الأرض السورية منعاً لاستمرار مآسي السوريين، التي كان آخرها استشهاد أكثر من ٣٥ عسكرياً، واستحقاق العملية السلمية وإنجاح جهود التسوية السياسية، واستحقاق الإصلاح السياسي والاجتماعي، واستحقاق الإقلاع بعملية إعادة الإعمار.

فلنواجه هذه الاستحقاقات بحوارنا الوطني الديمقراطي الذي يضمّ جميع أطياف شعبنا، وبتوافق الجميع على مستقبل بلادنا سيأتي الانفراج.

العدد 1104 - 24/4/2024