طريق الحرير الصيني في ضيافة إيران

ريم الحسين:

اتفاقية شراكة اقتصادية أمنية شاملة بين الصين وإيران كشفت تفاصيلها عدة صحف أمريكية منها (نيويورك تايمز) و (وول ستريت جورنال)، تشمل استثمارات تقدر بأكثر من ٤٠٠ مليون دولار على مدى ٢٥ عاماً في قطاعات الطاقة وغيرها، تهدد بمزيد من التوتر في العلاقات الأمريكية الصينية، التي انحدرت لأدنى مستوياتها مؤخراً. الاتفاقية التي لم توقع بعد تمنح الصين امتيازات عسكرية كبيرة. نص الاتفاقية المكوّن من ١٨ صفحة تفتح صفحة جديدة بين الصين وإيران وتتيح توسّعاً كبيراً للوجود الصيني في هذه المنطقة في البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية، وتعرض البنية التحتية للجيل الخامس للإنترنت وتعرض منطقة للتبادل الحر تسمى (ماكو) في شمال إيران وعشرات المشاريع الأخرى، بالمقابل تحصل الصين على إمدادات منتظمة ورخيصة من النفط الإيراني، وهذا يساعد المارد الصيني الذي يغزو العالم اقتصادياً بتزويده بالطاقة اللازمة لمسيرة عجلة اقتصاده. وتتطرق الاتفاقية لتعميق التعاون العسكري بين البلدين عبر التدريب المشترك والمناورات، إلى جانب البحوث وتطوير الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى تعزيز الوجود الصيني في الموانئ قرب مضيق هرمز، ومنها ميناء (جاسك) عند مدخل المضيق. الاتفاقية ستجعل إيران جزءاً من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني وانضمت إليها معظم دول المنطقة ومنها سورية.

مبادرة (الحزام والطريق) تعمد إلى إحياء (طريق الحرير) القديم، وهو تسمية عن مجموعة من الطرق الموجودة منذ حوالي ألفي سنة، وكانت أحد أهم الممرات التجارية في العالم القديم حتى تضاءل دورها في نهاية القرن الرابع عشر بسبب الاكتشافات الجغرافية التي أوجدت طرقاً أرخص وأفضل.

طريق الحرير كان ينقل البضائع الصينية وخصوصاً الحرير الذي كانت الصين المنتجة الأكبر له في العالم مع بضائع متنوعة إلى كل دول العالم، وخصوصاً الامبراطورية الرومانية ومنطقة الشرق الأوسط، مع تغذية عكسية بالسلع إلى الصين أيضاً.

عام ٢٠١٣ أعلن الرئيس الصيني مبادرة جديدة لما يسمى مشروع (الحزام والطريق) لإعادة إحياء الطرق القديمة مضافاً إليها طرق حديثة، الهدف منها إيجاد ممرات متنوعة ومختلفة للتجارة والبضائع الصينية التي شهدت نمواً كبيراً وازدهاراً في كل أنحاء العالم.

وانضمت للمبادرة دول كثيرة، ورصدت الصين كبداية للمشروع حوالي تريليون دولار، وتهدف مبدئياً لإنشاء ٩٠ مشروعاً في ٦٠ دولة، وأعلنت الصين أن أي دولة راغبة في الدخول إلى هذا المشروع مرحب بها للاستثمار في البنية التحتية لهذه الدول من الطرق والممرات التي تساعد على دعم حركة التجارة ونقل البضائع من وإلى الصين، فالصين وحدها تمثل حالياً ٤٠ بالمئة من حركة التجارة العالمية، وتريد الصين توسيع شبكة الأسواق والتبادل التجاري وعدم الاعتماد بشكل كبير على صادراتها إلى الولايات المتحدة وتوسيع طرق وارداتها.

توجد عدة أسباب لقرار الصين إعادة إحياء طرق الحرير لامجال لذكرها، لكن أهمها (مأساة مضيق ملقا) كما عبر عنها الرئيس الصيني سابقاً، وهو ممر مائي واقع بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة طوله حوالي ٨٠٠ كم، ذلك أن هذا المضيق يزود الصين بأكثر من ٨٠ بالمئة من ورادتها من الوقود الأساسي للصناعة الصينية، لكن وجود الأسطول السابع الأمريكي هناك وسيطرته بشكل غير مباشر على المضيق، ومن أهدافه خنق الصين في أي صراع قد يحدث مستقبلاً، ولذلك تحاول الصين إيجاد طرق بديلة بعيداً عن مضيق ملقا أو أي طريق تجاري تسيطر عليه الولايات المتحدة. ولذلك بدأت الصين بالتعاون مع عدة دول حالياً لتحويل المبادرة إلى أمر واقع بحيث تكون الفائدة مشتركة من شبكة هذه الطرق.

وهذا من أحد أهم أسباب هجوم الولايات المتحدة على الصين، وبحسب بعض الدراسات كل الصراع والحروب التي قادتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ابتداء من غزو العراق حتى تدمير سورية واليمن والسيطرة على نفط الخليج، كانت لنشر الفوضى وقطع الطريق على الصين مستبقة ما تعتقد بأنه كارثة عليها من صعود الصين وزيادة نفوذها. وسيكون للاتفاقية الإيرانية الصينية صدى وتأثير كبير في البيت الأبيض لأسباب كثيرة، منها قرب مضيق هرمز من البحرين والتي يتمركز فيها الأسطول الخامس الأمريكي، وبهذا تتوازن الكفة استراتيجياً وتتخلص الصين من مأساة مضيق ملقا.

وقد شهدت العلاقات الصينية الأمريكية مؤخراً تدهوراً كبيراً وحرباً في التصريحات والإجراءات كان آخرها إغلاق الولايات المتحدة للقنصلية الصينية في (هيوستن) لأسباب واهية، فقد قالت، على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، إن الخطوة اتخذت (لحماية الملكية الفكرية الأمريكية ومعلومات الأمريكيين الخاصة). ووصفت بكين القرار بأنه (استفزاز سياسي). وردت بالمثل وأغلقت القنصلية الأمريكية في (شينغدو) ورُفع العلم الصيني فيها. وقد صرح وزير خارجية الصين بأن الوضع الصعب في العلاقات الصينية الأمريكية تسببت به الولايات المتحدة بالكامل، واعتبرت وزارة الخارجية الصينية أن المسؤولين الأمريكيين (فقدوا عقولهم وجن جنونهم) في تعاملهم مع بكين، وذلك بعد فرض واشنطن المزيد من العقوبات على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

والجدير بالذكر أن المبادرة الإيرانية الصينية طرحها الرئيس الصيني عام ٢٠١٦ خلال زيارة إلى إيران، وليست ردة فعل على الحرب التجارية الحالية مع الولايات المتحدة وإنما جزء من مشروع استراتيجي ضخم يتضمن مبادرة الحزام والطريق.

العدد 1104 - 24/4/2024