الزراعة السورية وآليات العودة للإنتاج

سليمان أمين:

 يعتبر القطاع الزراعي ركيزة أساسية ومهمة  للاقتصاد السوري، فقد شكلت الزراعة أكثر من خُمس الناتج المحلي الإجمالي الوطني ما قبل الحرب، وإذا عدنا لأعوام الثمانينيات والتسعينيات حتى عام 2005 لوجدنا كيف استثمرت الحكومة السورية بكثافة في هذا القطاع، فحققت الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية الرئيسية حتى وصلت إلى توقيف الاستيراد والاعتماد على المساعدات الخارجية حتى وصلت في عام 2005 إلى التنمية المستدامة، قبل أن يبدأ الإهمال الحكومي للزراعة بالتوجه إلى اقتصاد السوق الحر الذي كان الهادم الأكبر للقطاعات المنتجة في سورية. وقد وصل الاحتياطي الاستراتيجي من القمح قبل الحرب إلى حوالي 3.5 ملايين طن، كما كانت سورية تعتبر واحدة من كبار المصدِّرين للحبوب والفاكهة والخضروات إلى الدول المجاورة ودول الخليج.

لقد تضرّر القطاع الزراعي في سورية بصورة بالغة وكبيرة جداً حتى بات في الآونة الأخيرة شبه موجود، وذلك كان لعدة أسباب أدت لانهياره بشكل كامل وأهمها:

1-      الحرب الإرهابية، التي أخرجت الكثير من الأراضي الزراعية المهمة في سورية عن الزراعة مثل الغوطة ودرعا وسهول الجزيرة السورية، إضافة إلى عمليات التهجير والنزوح للفلاحين والأسر من مناطقهم وتركهم لأراضيهم.

2-      إهمال الحكومة لقطاع الزراعة بشكل كبير ورفع الدعم عن الفلاحين، ورفع أسعار الأسمدة والوقود وغيرها، إضافة إلى إلغاء زراعات أساسية كالشوندر السكري وعباد الشمس على سبيل المثال، وعدم وجود أي خطط علاجية لواقع الزراعة، وفتح الباب للاستيراد على مصراعيه. 

3-      التغير المناخي الكبير الذي يحدث منذ سنوات، وعدم إيجاد دراسات في مراكز البحوث الزراعية لتحسين الأصناف بما يتناسب مع تغير الظروف المناخية كما يحدث في دول العالم المتقدم، مع العلم كانت البحوث الزراعية السورية رائدة في سنوات ما قبل الحرب بإكثار أصناف جيدة.

يعتبر واقع الزراعة اليوم في أسوأ حالاته، فقد أقلع الكثير من الفلاحين عن الزراعة واتجهوا للعمل في مجالات تؤمّن لهم لقمة عيشهم، فالزراعة باتت خاسرة، وقد عبر الكثير من الفلاحين عن غضبهم من إجراءات وقرارات الحكومة في السنوات الماضية وبأنهم باتوا مدينين نتيجة الخسائر الكبيرة التي تكبدوها لعدم وجود أسعار مناسبة لمنتجاتهم تتناسب مع غلاء الأسمدة والأدوية الزراعية وغيره الكثير.

واليوم نحن أمام عدة أسئلة مهمة في ظل الفقر المدقع الذي يعيشه السوريون وحالة الهستيريا السعرية وشبه غياب المنتجات الأساسية المعيشية، هل تعود الزراعة للواجهة من جديد بقوة ويعود معها تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يخفف وطأة الاستيراد؟ وهل وزارة الزراعة تعود وتنتعش من تحت الرماد وتتبنى رؤى ودراسات لكثير من المختصين والأكاديميين من ذوي الخبرات لتحسين واقع الزراعة السورية وإعادة فرض زراعة بعض الغلات الزراعية الأساسية؟ 

هناك الكثير من المقترحات التي يمكنها العودة بالزراعة خلال فترات قصيرة للازدهار والتحسن، ومن بين الدراسات المهمة والمقترحات التي نطرحها لتحسين الواقع الزراعي خلال المرحلة الأولى كما يرى الكثير من الخبراء المختصين: 

–  توفير فرص تحقيق حق العودة الآمنة والكريمة والطوعية للمهجرين والنازحين وتلبية احتياجاتهم، من خلال اعتماد سياسات الاستجابة المحلية التي تساهم في إعادة استثمار رأس المال الاقتصادي والاجتماعي لتحقق الأمن الغذائي على المستويين المحلي والكلي، وتوفير فرص استقرار السكان من خلال تعزيز بناء الشرعية وتحقيق التماسك الاجتماعي وإعادة تأهيل البنية التحتية المادية والاجتماعية مع التركيز على تحقق التنمية المتوازنة والمساواة بين الجنسين والشباب وتوفير سبل العيش لهم وتمكينهم للانتقال الى مرحلة التعافي المبكر والعودة إلى ممارسة نشاطاتهم الاقتصادية الزراعية وغيرها. وذلك بتقييم حجم الأضرار على البنى التحتية والخدمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، بإجراء مسوح ميدانية للمناطق المشمولة ببرنامج عودة المهجرين لتوفير قاعدة بيانات تحدد متطلبات العودة ومساراتها وبرامجها المادية والزمنية.

– تأهيل الموارد والبنى التحتية المادية والاجتماعية لقطاعي الزراعة والموارد المائية الزراعية.

– توفير مستلزمات الإنتاج ووسائله وتوفير الخدمات المساندة والمساعدة له لتمكين المزارعين والمنتجين من العودة إلى الاستثمار الزراعي، إضافة إلى توفير حاجة الصناعة من المنتجات الزراعية اللازمة للتصنيع.

– تطوير الاقتصاد المحلي وتنويعه في المناطق الريفية ليكون رديفاً للقطاع الزراعي في توفير فرص العمل وتأمين الدخل وتحسين مستوى المعيشة، وتطوير الصناعات الإنتاجية المحلية الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على موارده الأولية، وجعل الإنتاج الزراعي أكثر ريعية على المستوى المحلي.

–  تنظيم تسويق المنتجات الزراعية من مناطق الإنتاج إلى الأسواق المحلية الناشئة وإلى مراكز الاستهلاك والتصنيع والتصدير والتخزين.

 – توفير الأمن والأمان وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين وحقوق الملكية وتعزيز المصالحة المجتمعية.

– فتح باب الاستثمار الزراعي في بعض المناطق الزراعية الذي يعمل على تحسين الواقع الزراعي برفده بكل الاحتياجات الأساسية مستفيدين من تجارب الدول المتقدمة في هذا القطاع، إذ يمكن أن يخلق الاستثمار حركة إنتاجية وتصنيعية للمنتجات الزراعية والحيوانية بفتح مشاريع صناعية صغيرة تشغل الأيدي العاملة وترفد الأسواق المحلية بالمنتجات.

 – تعزيز إجراءات التصدي لأثر الجفاف والتغيرات المناخية لأثرها المباشر على الأمن الغذائي وعلى المستوى المعيشي للسكان في المناطق الريفية، ووضع خطط علاجية للتقليل من المخاطر.

– تعزيز برامج التنمية المستدامة لتحقيق الأمن الغذائي واستئصال الفقر وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين دور المرأة في الأرياف، فمن المعروف بأن العمل الزراعي في الريف السوري يعتمد على وجود النساء من خلال توسيع برامج التنمية البشرية بين الذكور والإناث في المناطق الريفية وتعزيز قدراتهم على الاستثمار الزراعي وامتلاك المهارات لخلق فرص عمل للشباب وتلبية متطلبات إعادة الإعمار وإعادة تأهيل المساكن والبنى التحتية والخدمية والموارد المتأثرة بالأزمة ضمن حدود مناطق إقامتهم.

– تنظيم تشغيل القوى العاملة للربط بين الحاجة والطلب وإعطاء دور أكبر لمشاركة المرأة الريفية في الأعمال الإنتاجية والزراعية والحفاظ على حقوقها في الملكية والحصول على الأجر عند العمل.

– نشر وسائل تطبيق التقنيات الحديثة في الزراعة ونشر أساليب الطاقات المتجددة لتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل محركات الآبار والإنارة المنزلية.

– تكريس مبدأ التشاركية بين الحكومة مع المجتمع الأهلي والجهات الفاعلة في التنمية.

– توفير الاستثمارات اللازمة لإعادة تأهيل القطاع وتطوير أنظمة التمويل والاستثمار والدعم والتأمين.

– تطوير الهياكل الإدارية لقطاعي الزراعة والموارد المائية الزراعية.

– تطوير التشريعات الناظمة للزراعة والري والاستثمار والتمويل والقطاعات ذات الصلة.

ختاماً، تعتبر هذه الآليات الأساسية والأكثر أهمية اليوم لعودة القطاع الزراعي إلى الواجهة من جديد من خلال اتباع خطة عمل جيدة بالاستفادة من الخبرات الموجودة ضمن وزارة ومؤسسات وقطاع الزراعة، ولنا في قادم الأعداد متابعات بما يخص القطاع الزراعي على ضوء المقترحات والدراسات الأكاديمية والعملية.

العدد 1104 - 24/4/2024