أيُّ عيد في عالم ليبرالي متوحش!

الدكتور سنان علي ديب:

جاء عيد العمال في هذا العام وسط صمت احتفالي فرضه اجتياح وباء كورونا الذي عرى القوى القائدة لهذا العالم وكشف ضخامة حجم المآسي التي أصابت بها الإنسانية جمعاء والعمال وحقوقهم. العمال الذين كانوا وما زالوا عنواناً للنضال والبناء المحقّ وهم والفلاحون أساس التنمية الحقيقية المنتجة، ولذلك فإن تلبية حاجاتهم هي عماد صلابة البلدان وعنوان لتقدم وتطور المجتمعات، هذه الحاجات التي هي حقوق لا يستطيع أحد نكرانها ضمن العقد الاجتماعي للبلدان وضمن ميثاق حقوق الإنسان وضمن منطق العطاء المتبادل، فحق العمل والسكن والصحة والتعليم والتعبير والاستقرار وتجديد الطاقة عبر مدخول مناسب ضرورة لكل من المنتج وصاحب العمل، سواء الدولة أو الأفراد، والتطور الجمعي والمصلحة الجمعية والنضال الحقيقي الجمعي عبر منظمات ممثلة حقيقية للمطالب وعبر انتشار الفكر الاشتراكي وعبر تضامن وتكافل العمال وممثليهم. وكثير من الدول التي يعملون فيها بث الخوف والتخوف لرأسماليي العالم الذين انشغلوا بالتخطيط لسلبهم قوتهم ومعدل أجورهم وتقويض منظماتهم وصناعة منظمات موازية وكذلك الإحاطة بانتشار هذه المنظمات وفاعليتها بكل البلدان، وكان ذلك عبر تلبية مرحلية لحاجات عمالهم، لمنع الضغوطات والمطالبات وفصلهم عن المسار الأممي والعمل الموازي لفرض شروط جديدة تقوض مكاسب العمال وتزيد من مكاسب عباد المال وفق كل الأدوات الممكنة من ضغوط واعتقالات وفرض برامج اقتصادية لا تراعي خصوصية البلدان، وتقويض دور الحكومات في إدارة التنمية بأنواعها، وعبر تنظيم الإفساد وعبر التفقير والترهيب لنصل إلى مجتمع تمايزي طبقي تقوده فئة من الأثرياء غير المنتمين للإنسانية، مسخرين كل أدوات ما سمّي عولمة لزيادة ربحهم بالترافق مع تقليص مكتسبات العمالة، ومتناسين حجم المعاناة التي يسببونها والامتعاض الناجم والضغوط المتولدة التي ستعيد الصراع بشكل أقوى ومن دون هوادة والتي أثبتت رؤية توحش الرأسمال هذا وعدم القدرة على ضبطه وردعه، وأن سيرورته وصيرورة تصاعده ستؤدي إلى دماره ودمار مشروعه الما بعد عولمي، فتركز الاستثمارات وسيطرتها وانتشارها في الأطراف لقوى المركز تزيد التمايز وتعولم وتضخم أعداد المنكوبين.

 وما وجدناه من وحشية في التعاطي مع كورونا، وخاصة من ترك مئات الآلاف من كبار السن من دون علاج ليلقوا مصير الموت مكرسين نظرتهم المالية علماً أن كبار السن هؤلاء كانوا بالأصل عمالة ودافعين لتأميناتهم وقدموا طاقاتهم، ولهم الحق في العيش ما بقيت لديهم روح، وتركهم من دون علاج مغاير ومخالف لكل تعاليم الإنسانية ومخالف لكل ادعاءاتهم.

جاهل من يظن أن العالم بعد كورونا سيبقى مثلما كان قبله، وغبي من ينتظر الأقدار. ومثلما خلدت البشرية ثواراً أبطالاً أينعت بهم طبقات وكسرت أعداء، فالقادمات بحاجة إلى ورثة صادقين.

العدد 1104 - 24/4/2024