تعالوا لنتعلم كيف نختلف!
يونس صالح:
أصبح أمراً شائعاً أننا لا نعرف كيف نتفق، ولكن المشكلة الحقيقية أننا لا نعرف أيضاً كيف نختلف، وإذا كان اتفاقنا على كثير من الموضوعات أصبح أمراً صعباً، فإن اختلافنا وما أكثر ما نختلف به هو أبعد ما يكون في وسائله عن التحضر.
وأزعم أن المتحضّرين هم الذين يعرفون كيف يختلفون، وكيف يوظفون هذا الخلاف لكي يصبح بداية الاتفاق.
إن الاختلاف في الرأي أمر طبيعي، ولا يعني بذاته أيضاً أن أحد المختلفين على صواب كامل وأن الآخر على خطأ كامل، ذلك أن الحقيقة المطلقة لا يستطيع أحد أن يدّعي أنه وحده هو الذي يلمّ بها ويملكها، وأن غيره محروم منها تماماً. هذه هي القضية الأولى التي يجب أن نقتنع بها تماماً إذا كنا نريد حقاً أن نتعلم كيف نختلف كما يختلف المتحضرون، وأن نجعل من الخلاف بداية للالتقاء ثم الاتفاق، لا أحد وحده يملك الصواب كاملاً، ويمكن التأكيد هنا أن حقّ الخلاف في الرأي هو من الحقوق الأساسية لبني الإنسان.
فإذا اقتنعنا أن هذه حقيقة من حقائق الوجود الإنساني، وتقبّلناها وتعاملنا معها على هذا الأساس، فإننا بالضرورة سنتحرر من أن يتّهم بعضنا بعضاً، عند الاختلاف، بالخيانة والعمالة والجهالة، وهي أوصاف بشعة ولكنها سهلة علينا إلى حدّ أنه يندر أن نجد أحداً لم يتهم أحداً بهذه الأوصاف سواء بين الساسة أو بين المفكرين في هذا الجزء المنكوب من العالم.
إن الاختلاف في الرأي والتوجهات أمرٌ طبيعي، وإن الشيء البديهي بدلاً من تراشق الافتراءات أن نسأل: لماذا نختلف؟ أو ما هي أسس الخلاف وأسبابه؟ كذلك يتعين علينا أيضاً أن نسأل من يختلف مع من؟ وعلى ضوء إجابتنا عن هذين السؤالين نتقدم خطوة أخرى لنسأل: ثم ماذا بعد؟ إن نقطة البدء إذاً هي الإقرار بحق الاختلاف، وبأنه من طبائع البشر، ثم البحث بعد ذلك وراء أسباب الاختلاف ودواعيه، ثم تحديد من هم المختلفون فيما بينهم، وبعد ذلك تبدأ محاولات التغلب على الخلاف.
إذاً لماذا يختلف الناس عموماً؟ ولماذا نختلف نحن؟
يختلف الناس عموماً لأسباب تستعصي على الحصر، ولكن أبرزها سببان:
– اختلاف المصالح.
– اختلاف المكونات الحضارية والثقافية مما يؤدي إلى اختلاف النظرة العقلية إلى الأمور.
ولا شبهة في أن اختلاف المصالح بين فرد وفرد، وبين جماعة وجماعة أو بين دولة ودولة، تأتي في مقدمة أسباب الاختلافات بين هذه الكيانات وبعضها، وأغلب صور الصراع في العالم سواء كان ذلك الصراع سلمياً أو كان عسكرياً، هي صراعات حول مصالح مختلفة.
ولا شبهة أيضاً في أن اختلاف التكوين العقلي والنفسي وما يؤدي إليه من اختلاف حضاري بين شعب وشعب، يعكس نفسه أيضاً على العلاقة بين الشعبين، فإذا اختلفت المصالح كان الاختلاف الحضاري وربما لحد الخلاف، وعلى عكس ذلك فإن الاختلاف في عنصر من العنصرين والاقتراب من العنصر الآخر يجعل الخلاف أقل حدة، ويجعل إمكانية التغلب عليه أكثر منالاً.
إن التصدي للخلافات في هذا السياق يمكن أن يأخذ صورة من ثلاث: إما الحوار، أو التعايش، أو الحرب، وكل واحدة من هذه الصور تتسع لكثير من الظلال والأطياف.
أما الحوار فهو الوسيلة الأولى، والأكثر أهمية وتنوعاً وتعدداً في عالمنا المعاصر، إنه يبدأ بالتسليم بأن الاختلاف طبيعي نظراً لاختلاف المصالح واختلاف النظرة العقلية لدى الشعوب المختلفة والأفراد، ثم يأتي بعد ذلك حصر نقاط الاختلاف ونقاط الالتقاء بين هذا وذاك، وطرح البدائل المختلفة من استمرار الخلاف إلى تضييق هوّته، إلى غير ذلك من البدائل.
إن الهدف الأساسي من الحوار هو الوصول إلى نوع من التعايش بين المختلفين، بيد أن حدة الخلاف قد تصل إلى مداها الأقصى فتتحول إلى صراع وإلى حرب.
لقد انتهت الإنسانية من خلال تجارب كثيرة ومريرة إلى الاعتراف بحق الاختلاف كحق أساسي من حقوق الإنسان، أي من حق الناس أن يختلفوا في آرائهم وفي الدفاع عن هذه الرؤى والاتجاهات، وعندما تتجسد هذه الموضوعة لدينا في الممارسة العملية، يمكن أن نقول إننا أصبحنا جزءاً فاعلاً في حضارة بني الإنسان.