وجهة نظر في زمن (كورونا)

عيسى وطفة:

في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعيشها العالم الرأسمالي المأزوم منذ أكثر من عقدين من الزمن، ومنذ أن ظهر وتبلور عالم القطب الواحد وأصبحت النظم الرأسمالية غير مضطرة لتلبية جميع الخدمات التي كانت تقدمها لشعوبها قبل انهيار منظومة الدول الشيوعية، ليس لأنها ديمقراطية كما يدّعي مفكرو النظام الرأسمالي ومنظروه، وإنما لتظهر أمام شعوبها بأنها الأفضل مقارنة بالنظام الشيوعي الذي كان يسبب للرأسمالية رعباً حقيقياً كنظام بديل لقيادة البشرية. هذا البعبع الشيوعي رحل فلم تعد الشركات الرأسمالية العابرة للقارات مضطرة لتقديس الحدود الوطنية، ولم تعد مضطرة لاحترام حقوق الإنسان. وبما أن هناك مقولة مادية ديالكتيكية شهيرة بأن كل نظام جديد يولد يحمل في داخله بذور فنائه، ظهرت الأزمة الاقتصادية العالمية نتيجة وصول النظام الاقتصادي الرأسمالي التقليدي إلى طريق مسدود فهو غير قادر على ابتكار ولا إيجاد آلية جديدة لقيادة البشرية. فلا جديد يمكن أن يقدمه هذا النظام المأزوم سوى حروب متنقلة من أجل زيادة عائدات أرباح صناعة السلاح وتجارته على حساب دماء شعوب الأرض الفقيرة، الجاهلة والمجهّلة عن قصد، وكذلك تغذية  الصراعات في مناطق زراعة الأفيون ليس لاستخدامه لأغراض طبية وانما لاستخدامه في تنويم الشعوب عامة وتخديرهم فتكتفي شرورها، فتقدم لهم رواتب الضمان الاجتماعي الذي يكفي فقط ليأكلوا ويدفعوا فواتير معيشتهم، ثم تعود تلك النفقات الاجتماعية إلى بنوك الدولة الرأسمالية بعد إكمال دورتها الاقتصادية بعد سّد حاجة الكفاف من الجوع اجتماعياً. وبذلك المشهد بدأت ملامح المرحلة الجديدة تظهر وتتجلى عام 2019 بصورها التالية:

1_ حرب تجارية واقتصادية بين الصين من جهة والولايات المتحدة مع تابعيها من دول العالم الثالث المتخلف من عرب وأجانب (ولا أريد أن أستخدم كلمة عجم حتى لا يفهم من كلامي بغير العرب أن المقصود هم الفرس)، هذه الحرب أخذت أشكالاً متعددة، من فرض ضرائب تجارية عالية على البضائع الصينية واعتقال مديرين تنفيذيين على مستوى العالم ومنهم المديرة التنفيذية لأكبر شركة خدمات للتقنية المعلوماتية في الصين وهي هواوي. وأيضاً بدعم التمرد داخل هونغ كونغ خلال عام 2019 والدعم الأمريكي للعملية الانفصالية للتبيتيين، وإجراء مناورات عسكرية مع تايوان من أجل الترهيب واستعراض القوة الأمريكية. وكان ترامب يتّغنى بأنه استطاع إرغام الصين من خلال عقوباته على دفع 200 مليون دولار كتعويضات عن بضائعها المصدرة إلى أمريكا وانه استطاع دفع الصين لأن ترفع سعر عملتها للتقليل من القدرة على منافسة المنتجات الأمريكية في السوق العالمي وإجبار الصين على السماح بإدخال البضائع الأمريكية إلى الصين بضرائب بسيطة (وهذا موجود كإنجاز ترامبي في خطابات ترامب خلال حملته الانتخابية الجديدة).

2- حرب غير معلنة رسمياً لكنها حرب فعلية بين أوربا الموحدة والولايات المتحدة، وكانت بريطانيا هي حصان طروادة الأمريكي في قلب الاتحاد الأوربي، وخروج بريطانيا من الاتحاد بما سمي (بريكست) كان السبب باستنزاف موارد وطاقات الدول الأوربية وتشتيت سياساتها الاجتماعية  الداخلية على حساب معالجة أمراضها الدستورية والسياسية بوجود بريطانيا ضمن الاتحاد، والتكلفة العالية التي تكبدتها أوربا نتيجة خروج بريطانيا منها (وهذا موجود بالرسائل التي بعثها ترامب للتهنئة بانتخاب جونسون وحثه على الخروج من أوربا العجوز، وأمريكا ستكون إلى جانب بريطانيا وستعوض أي نقص في مستلزمات بريطانيا الاقتصادية).

 3- حرب خفية تديرها أمريكا ضد حلفائها النفطيين برأس حربة روسية هذه المرة، وهدفها استنزاف موارد تلك الدول واحتياطاتها النقدية، فكانت حرب النفط وهبوط أسعار النفط التي تغنّى بها ترامب بأنه حقق وعداً آخر من وعوده الانتخابية بتخفيض أسعار النفط من أجل تخفيف أعباء تكاليف معيشة المواطن المستهلك (الناخب) الأمريكي (هذا موجود في خطابات ترامب الانتخابية).

4- الحروب المناطقية المتنقلة التي أشعلتها أمريكا حول العالم وكان للعالم العربي حصة كبيره منها… هذه الحروب كانت تهدف إلى إضعاف نفوذ الدول الأوربية في مستعمراتها القديمة، وكذلك تهدف إلى إضعاف الحكومات الوطنية من خلال تحريض شعوب تلك الدول وتجييشها إعلامياً وعسكرياً وزراعة الفوضى عن طريق خلق منظمات ومجموعات جهادية مسلحة ضد الحكومات المحلية التي كانت مرتبطة تاريخياً بالدول الاستعمارية القديمة من أجل تقويض نفوذ المستعمر الأوربي القديم بإزاحة الأنظمة المرتبطة به والهدف إحلال النظام العالمي الجديد الذي تسيطر عليه أمريكا (ومن خلفها بريطانيا) محل الاستعمار القديم، أي بمعنى آخر إنهاء النفوذ الأوربي ليحل محله النفوذ الأمريكي فقط.

5- كل هذا كان قبل ظهور كورونا المستجد، وكان قبل ظهور السيد طلال أبو غزالة باللغه العربية وأثاله بكل لغات العالم على محطات الإعلام والتلفزة، من أجل تسويق رعب الأزمة الاقتصادية، والتهويل بأن هناك حرباً عالمية  ثالثة (وأنا أتحفظ على كلمة ثالثه) هي حرب عالمية  جديدة تطرق الأبواب بين الصين وأمريكا، لكنها بالتأكيد لن تكون حرباً عسكرية!؟

بدأ التسويق بالتهويل والتخويف من الحرب العسكرية التي بشّر بها طلال أبو غزالة وغيره بكل لغات العالم عبر كل الفضائيات العالمي، وكل دولة حسب لغتها، وكل ذلك التضليل كان بهدف إطالة أمد الأزمة العالمية الاقتصادية ريثما يتم إجبار الصين على القبول بالرعاية الأمريكية لمشروعاتها والحد من طموحاتها كدوله عظمى في العالم. لكن كان للطبيعة رأي آخر بظهور مرض فيروسي مجهول المصدر سمّي (كوفيد ١٩) في مكان من العالم مكتظ سكانياً وإنتاجياً وتجارياً.

6- ظهر الفيروس كورونا بعد ظهور الأزمة الاقتصادية وليس قبلها، وأؤكد بعدها وليس قبلها، أي عكس ما تروج له الحكومات الغربية بأن الأزمة الاقتصادية ناتجة عن ظهور كورونا، وكانت الحكومة الصينية أمام ضرورات وليس خيارات (وأنا لست محامي دفاع عن الصين): إما أن تعلن مباشرة أن لديها بؤره فيروسية وقد لا تكون كذلك فتسبب لها أزمة إضافية تشوه صورتها أمام العالم وتقلل مصداقيتها على كل الصعد، وإما أن تنتظر أطباءها وخبراءها ليقدموا ما لديهم من معلومات ونتائج أبحاث. هذا إذا اعتبرنا أن السلطات الصحية في الصين كانت جاهزة وحاضرة لهذه المفاجأة!؟

فضلت الصين الانتظار لتظهر نتائج اختباراتها، لكن الفيروس كان قد انتشر بسرعة بسبب التنقلات السريعة للأفراد والبضائع في عصر السرعة كالطيران وغيره، وكان انتشاره في كل دول العالم المفتوحة حدوده التجارية والسياحية وغيرها.

وأنا هنا لا أريد الخوض في تفاصيل طبية لا أفهم فيها، بل أترك ذلك للاختصاصيين من أطباء وخبراء صحة، ليقدموا للبشرية كيف ينشأ ويتكاثر وينتشر أي فيروس كان.

وما أود قوله إن شعب الصين أثبت فعلاً قدرة غير متوقعة بالانضباط والعمل الجماعي المنّظم للحد من تأثير الفيروس، وهذا ما أثار رعباً جديداً لدى الحكومات الغربية والأمريكية أكثر.

8- في البداية قللت أمريكا من أهمية  هذه الأخبار، وظهر ترامب يقول إنه ليس هناك انتشار فيروسي، وإنه يموت في أمريكا وحدها أكثر من 250 ألف شخص سنوياً بسبب الإنفلونزا العادية فماذا يعني أن يصاب عدد محدود بفيروس كورونا؟! لا شيء يستحق حسب منطق ترامب.. وبدأ يهاجم وفريقه السياسي حكومة الصين عبر الإعلام والميديا التي تديرها شبكات إعلام ليست نزيهة ولم تكن يوماً نزيهة، وبدأت أبواق التخلف في الخليج والدول الإسلامية تستشهد بالقرآن والأحاديث حول الأوبئة التي ستأتي من الشرق في زمن ما، وهذه الأوبئة ستضرب الكفار في كل مكان، وأعلنت بعض الأقاليم الهندية المتخلفة أن بول البقر هو العلاج الوحيد ضد الأمراض (هذا بسبب الجهل الناتج عن غياب الدولة عن مناهج التعليم والمعرفة).

وكذلك قللت الدول الأوربية من أهمية الوضع في الصين تهرّباً من تحمّل مسؤولياتها الأخلاقية تجاه البشرية، ولسوء تقديرات سياسييها الذين لم يستمعوا لخبراء الصحة لديهم (وهذا موجود في التصريحات الأخيرة لرئيسة المفوضية الأوربية).

9- استفاقت النظم الصحية حول العالم على انتشار الفيروس وازدياد الإصابات في المشافي وهي غير جاهزة للتصدي لهذا التهديد، بسبب تحويل الخدمات الصحية في النظام الرأسمالي إلى الشركات التجارية الخاصة وشركات التأمين من أجل تحقيق أرباح على حساب صحة المواطن، وتحويل هذه القطاعات الأساسية عن كاهل الحكومات كما حصل مع النظم التعليمية حول العالم (وهذا موضوع آخر يطول بحثه).

فبدلاً من إنشاء المصانع التي تقدم التجهيزات الطبية واللوازم الطبية وتوفيرها بأسعار معقولة، فضّلت تلك الدول إنشاء شركات ربحية لصناعة الأسلحة والذخائر، وكذلك ازدهرت صناعة السيارات واليخوت الفارهة لأصحاب المقامات والجلالة بدلاً من الإنفاق على التعليم والصحة الاجتماعية.

بعد ذلك يأتي السؤال: هل هو جائحة ووباء أم لا؟؟ وما هي المعايير الصحية التي تستخدم عادة لتصنيف الحالة؟

في البداية ترامب قال إنه ليس وباء، فكل سنة يموت 250 ألف أمريكي من الإنفلونزا العادية، فماذا يعني أن يموت عشرات من الناس بهذا الفيروس التافه؟ (وكلامه بقناعتي صحيح هي ليست وباء) وشدد ترامب وأشاد بجهود الصين في التعامل مع مواطنيها لاحتواء الفيروس وفي الوقت نفسه أوعز لطبوله الإعلامية  للبدء بحملة واسعة للتشهير بالحكومة الصينية، وبطريقة تعاملها مع مواطنيها بالحجر القمعي والإغلاق الإلزامي الذي ينتهك حرية  الناس على مبدأ (يعطيك من طرف اللسان حلاوة)، الحكومات الأوربية دفنت رأسها في التراب وقالت إن لديها نظاماً صحياً ناجحاً معمولاً به، وهو ليس وباءً، لكن الصين متخلفة صحياً لم تعالج مواطنيها بطريقة صحيحة وإنسانية،  ففرضت عليهم حجراً قمعياً وغير بشري. دول النفط بدأت محطاتها بتلاوة الأدعية والصلوات لرد البلاء القادم من الشرق وتحديداً الشرق، مما يعطي انطباعاً لدى الناس العاديين بأن التهلكة تأتي من الشرق دائماً، وأصدقاؤنا الغرب وأمريكا منها براء. الطامة الكبرى هي منظمة الصحة العالمية التي يجب ألا تكون مسيّسة، لكنها للأسف هي مسيسة، فقد أعلنت أنه ليس وباء وأن أعداد المصابين لا يشير إلى انتشار وباء (وكانت بذلك تقول الحقيقة) وأن الصين قادرة على احتواء الفيروس، وبذلك كانت منظمة الصحة العالمية تتهرب من مسؤولياتها تجاه الصين أولاً ولا تريد إغضاب ترامب وجماعته ثانياً.

(هذ الكلام تجدونه في التصريحات المتناقضة لمدير منظمة الصحة العالمية في بداية الانتشار).

10- ماذا حصل بعد كل هذه المواقف والتصريحات حتى تنقلب الأسطوانة وتعود منظمة الصحة العالمية من بعد ترامب وجماعته لتصنيف الحالة على أنها وباء!؟

11- عود على بدء: كورونا ليس مسبباً للأزمة الاقتصادية العالمية  كما تحاول الحكومات الغربية  إيهامنا… وكذلك كورونا ليس بسبب الأزمة الاقتصادية.

كلاهما منفصل عن الاخر وليس ولادة كورونا بسبب الأزمة الاقتصادية كذلك ليست الأزمة الاقتصادية سبب لولادة كورونا. انما انتشار الفيروس بسرعة كبيرة ناتج عن هشاشة النظام الصحي وضعف الاداء الطبي في الدول الرأسمالية، وهذا ناتج عن خصخصة القطاع الصحي وتحويله إلى قطاع ربحي يدفع ضرائب للدولة ويجبي أرباحه من خلال شركات التأمين الصحي، وكذلك عن الإهمال للقضايا الاجتماعية والصحية الذي تغرق فيه حكومات العالم الرأسمالي.

12- السؤال هو: هل هو من سوء حظ الشعوب أن تأتي مشكلة انتشار كورونا في ظل أزمة اقتصادية كبيرة عالمياً، وفي مرحلة عض أصابع بين الدول الكبرى على من سيقود العالم لاحقاً أم هو من حسن حظ الحكومات الغربية لتأخد التهديد الناتج عن انتشار كورونا وتعظمه من أجل كسب الوقت للتفاهم بين الدول الكبرى واستغلال ذعر الناس وحبسهم في سجون اختيارية تحت تهديد تفشي الوباء وموت الناس المحقق إن لم يلتزموا زنازينهم!؟

أنا أرى أن الحكومات الرأسمالية وجدت في انتشار الفيروس فرصة ذهبية لترهيب الشعوب وتضليلها عن القضايا الأساسية فيما يحدث.

جميع الحكومات حول العالم أحالت مشكلة كورونا إلى الجيوش العسكرية لحلها مع أن الحل مرتبط بجيوش هزيلة من الأطباء والفنيين والكوادر الطبية من ممرضات وممرضين وفنيين وخبراء في الصحة، وهذا يؤكد عقلية ديكتاتورية لإدارة الأزمة وهي لا تبشر بالخير.

13- في زمن هذه الفوضى السياسية والاجتماعية كانت كل جهة تتعامل مع ضرورة الحجر الصحي والترهيب من الموت والترغيب بالخضوع لإجراءات العزل الطوعي كل حسب مصلحته وكيف يتم ذلك؟ الاعلام الرسمي للحكومات الغربية حضّر الأرضية اللازمة لحجر الناس وبالغ كثيراً بالترهيب من انتشار الوباء، وساهم بهذا أيضاً منظمة الصحة العالمية (غير المسيسة) باعتبارها أن الفيروس دخل مرحلة الوباء بضغط من ترامب وجماعته، عندما غيّر أقواله بعد أن كان رافضاً النقاش بأن هذا وباء!! والأهداف هي: محاولة ترامب الاستفادة من هذا الوضع لتجديد انتخابه بمبايعة الديموقراطيين له بسبب الوضع المأزوم من الوباء المرعب. كذلك هدف آخر هو إعطاء تبرير لتقصير الحكومات وعدم الاعتراف بأن الحكومات كانت مخطئة عندما خصخصت القطاع الصحي وحولته إلى قطاع تجاري، ذلك أن الحكومات الغربية لا تملك أي رؤية بديلة عن النظام الصحي الحالي. كذلك دخلت الشركات التي تعمل في مجال تجارة الأغذية والحبوب والغذاء بشكل عام على الخط بحثاً عن مكاسب فبدلاً من إتلاف وإحراق أو إغراق المحاصيل في البحر (من سكر وقمح وأرز وغيرها من الحبوب) للحفاظ على السعر العالمي للمواد كما كانت تفعل لتجويع شعوب وإتخام شعوب أخرى، وكما يحصل سنوياً على مرأى ومسمع الحكومات الغربية نفسها، فبدلاً من ذلك طرحتها في الأسواق وباعتها للناس المذعورين لتتم عملية التخزين في بيوت الناس يأكلون ما يأكلون ويتلفون ما يتلفون من حسابهم ومن جيوبهم. هذه الشركات شنت غارتها على جيوب الناس المذعورين المحجورين طوعاً بالترهيب وأخذت حصتها وبالقانون!

 كذلك شركات الأدوية أخذت حصتها من خلال الإقبال على الإفراط بالشراء وإفراغ رفوف الصيدليات مع وعود بتأمين علاج للمرض الفتاك. ولا يجوز أن نغفل بالطبع عن شركات النفط العملاقة مثل شيفرون واكسون موبيل التي تشتري النفط بأسعار ضعيفة وتخزنه في مستودعات مستأجرة حول العالم لتبيعه لاحقاً بأسعار مرتفعة. والسؤال هو: أليس العاملون في الشركات التي صنفوها أساسية وضرورية لاستمرار تقديم الخدمات للناس المحجورين، الذين يعملون خلال فترة الحجر الصحي هم بشر ومعرضون للعدوى ونقل العدوى ونشرها بين ذويهم عندما يعودون من العمل؟ إذاً ما جدوى الحجر المطلوب من الناس؟

14- أخيراً: هذه ليست المرة الاولى التي يظهر بها فيروس ولن تكون الأخيرة بالتأكيد… وفي ظل هذا الجهل فإن القادم أسوأ كما يبشرنا بوريس جونسون وميركل.

نحن اليوم بعد ان انكشفت عورات النظام الرأسمالي (الديموقراطي) مدعوون للتفكير بإيجاد نظام عالمي جديد وحوكمة عالمية جديدة ومنظمة أممية متحدة متطورة وجمعيات حقوق إنسان حقيقية ومقاربات اجتماعية واقتصادية وسياسية مختلفة عما هو موجود حالياً وقاصر عن إيجاد حلول لمشاكل البشرية الأمنية والاجتماعية والصحية والاستهلاكية وجميع نواحي حياة المجتمعات، وعلى الناس أن يعوا أن (ليس هناك من أمة حرة تستعبد أمة أخرى) كما قال ماركس. وأن مصائر البشر مترابطة ومتشابكة بغض النظر عن العرق واللون والدين. وأن الحدود السياسية بين الدول وجوازات السفر المختلفة لم تعد تحمي البشر في جهات الأرض الأربع.

وأود التذكير لمن يريد أن يتذكر ويستفيد من التاريخ بمسرحية الرحابنة التي اسمها (المحطة) حين قدمت وردة إلى حقل مزروع بالبطاطا، وادّعت أن في هذا الحقل محطة قطار وأن من زرعها بالبطاطا سيتحمل عواقب وخيمة، ففي البداية اعتبرها الناس مجنونة أو صاحبة غاية  وحزبية موتورة، ونتيجة إصرارها صدقوا قصتها وبدأ كل طرف يستفيد من قصتها لمصلحته، فمنهم من رفع سعر الأراضي ومنهم من افتتح دكاناً أو مطعماً قرب المحطة، وصار الحرامي بائع تذاكر يبيع تذاكر وهمية، رئيس البلدية استفاد من مشروع المحطة الوهمية وصّدق وجودها لأن الناس صّدقوا وجود المحطة وهو بإرضاء الناس الجاهلين سيضمن إعادة انتخابه، كما يحاول أن يفعل ترامب هذه الأيام. وليست طريقة المقاربة والتفكير في مسرحية كانت قبل أربعين عاماً إلا هي دليلاً على أن كورونا كغيره من الفيروسات التي سبقته ولن يكون الأخير.

فهل يتعظ البشر ويتمردون على العبودية لصّناع القرار، فيبدؤون بنشر المعرفة والعلم بدلاً من نشر الصواريخ العابرة للقارات والصواريخ المضادة، والاستعاضة عن ترسانات صواريخهم وقنابلهم الذكية والغبية بترسانات من الأغذية اللازمة والعقاقير الطبية والأجهزة الطبية اللازمة لحياة البشر حتى لا يبقى الناس تحت التخدير وفي حالة الإنعاش الاصنطاعي؟

أعرف أن ما أطلبه هو أحلام وردية، وللأسف أعرف أكثر أن الأحلام لا تتحقق إلا على حساب دماء الشعوب الفقيرة.

 25/3/2020

العدد 1104 - 24/4/2024