كورونا في جيله الثالث… متى يأتي الرابع؟

د. أحمد ديركي:

يواجه الإنسان حربان، حرب منذ ما قبل بزوغ فجر الحضارات وحرب منذ بزوغها.

حرب ما قبل بزوغ الحضارات: يمكن تسمية حروب هذه الفترة الزمنية بالحروب بين الإنسان والطبيعة. فالطبيعة تملك قوانينها وقواها التي تحكمها وتقرر من يبقى ومن يغادر، والبقاء في جزء منه هنا دارويني. فالطبيعة، في حينها، هي من يقرر، بحكم قوانينها، متى تنهي جنساً حياً ومتى توجد آخر. كل هذه القوانين الطبيعية موجودة منذ ما قبل نشوء الجنس البشري، وأكثر من هذا يمكن القول إن هذه القوانين هي التي أدت إلى نشوء الجنس البشري. 

يمكن تصنيف قوى الطبيعة في مجموعتين كبيرتين: 1- قوى لا حية 2- قوى حية.

القوى اللاحيّة، ويطلق عليها في معظم الأحيان تسمية (عوامل طبيعية)، مثل الأعاصير والزلازل والبراكين… قوى تهاجم الجنس البشري منذ نشوئه وتؤدي في معظم الأحيان إلى (كوارث) بشرية، كما يفعل الإنسان حالياً بالطبيعة (كوارث) بيئية، ولكن مع تطور الحضارة البشرية بدأ البشر باكتشاف قوانين الطبيعة لتساعدهم، في جزء منها، على مواجهة القوى اللاحيّة. على سبيل المثال لا الحصر، ساعدته معرفة قوانين الطبيعة على بناء السدود لتجنب الفيضانات.

أما القوى الحية: فهي كل كائن حي يمكن أن يُهدد حياة البشر، سواء كانت هذه الكائنات كبيرة، كالدب والفهد، أو الثعبان والعقرب، أم كائنات مجهرية كالجراثيم والفيروسات. فدخل الإنسان في حرب معها، كما دخل في حرب مع القوى اللاحية، مبيداً معظم الكائنات الحية الكبيرة، ومهدداً جزءاً كبيراً ممن تبقى منها بالانقراض. 

إلا ان حربه مع الكائنات المجهرية أعنف! فمع كل تطور يواكب حضارة بشرية استطاع البشر الفوز في بعض من الحروب مع الكائنات المجهرية، والقضاء على جزء منها. على سبيل المثال لا الحصر الحصبة والتيفوئيد، من خلال تطور العلوم الطبيعية (فيزياء، كيمياء، أحياء…) موجداً لقاحات تقتل هذه الكائنات المجهرية. ولكن الذي يحدث أن هذه الكائنات المجهرية تملك ما يكفي من القدرة لتعديل جيناتها لتحمي نفسها من اللقاح البشري الصنع فتعاود شن هجومها عليه بشكل أعنف. وقد يكون ما يشهده العالم اليوم من حالة وباء (كورونا) خير دليل على هذا. فهناك إجماع على أن (وباء) كورونا الحالي هو الجيل الثالث لفيروس كورونا!

أما حروب البشرية منذ بزوغ الحضارة البشرية فهي حروب الجنس البشري ضد الجنس البشري، وكارل ماركس وفردريك انجلس أجمل من عبرا عنها بشكل علمي في البيان الشيوعي: (ما التاريخ إلا تاريخ الصراع الطبقي)، تبدلت صيغه من حرب إلى اخرى وفقاً لتطور نمط الإنتاج، من حروب بشكل أثني، أو ديني أو قبائلي أو… إلى حروب بشكل قومي أو إمبريالي أو… في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي. تغيرت الأشكال وبقي الجوهر واحداً. 

تحولت الحربان، الحروب مع الطبيعة وحروب الجنس البشري مع جنسه، في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي إلى حرب واحدة! حرب يستخدم فيها الجنس البشري القوى الحية، وبخاصة الميكروسكوبية، لقتل بني جنسه، وما الأسلحة الكيماوية إلا دليل مباشر على هذا. وفي وجه آخر من هذه الحروب عينها الاحتكارات العلمية، ومنها احتكار اللقاحات ضد الكائنات الحية الميكروسكوبية لتحقيق أرباح أكبر للشركات الاحتكارية. وها نحن اليوم نشهد إضافة إلى وباء كورونا المتفشي في كل أنحاء العالم حاصداً أرواح البشر، ومعظمهم من الباحثين عن قوت عيشهم، حرباً بين الدول العظمى في سباق شرس لشركاتها الاحتكارية للإعلان عن (اكتشاف) له.  لم تطرح الفكرة عن عبث، بل انطلاقاً من تأكيد أنه الجيل الثالث، وقد يأتي الرابع، ما يعني أن هذه الشركات الاحتكارية تعاملت مع الأول بعد حصده لآلاف الأرواح البشرية، ثم أوجدت لقاحه وكسبت المليارات، وكذلك فعلت مع الجيل الثاني وكسبت المليارات، وها هي اليوم تعاود الكرة مع الثالث متنافسة على من يكسب أكثر من اكتشاف اللقاح أولاً لا من ينقذ البشرية أولاً، وبخاصة إنقاذ فقراء العالم وعامليه. وهذه قضية أخرى ولكن بنظرة سريعة يمكن القول إن كل الإجراءات المتخذة في العالم، وتحديداً في دول العالم الثالث لم تلحظ واقع الفقراء عندما فرضت بالقوة التوقف في معظم الأعمال. على سبيل المثال لا الحصر من أين للفقير سائق وسيلة نقله المعتاش من كسبه اليومي أن يؤمّن ثمن طعامه إن توقف عن العمل؟ فـالأغنياء وأصحاب فرض القرار يستطيعون العيش بلا عمل يومي ولكن هل يستطيع الفقراء القيام بهذا، فتُفرض عليهم الإقامة الجبرية قبل أن تؤمن لهم مستلزمات الحياة اليومية؟ وبهذا يوضع الفقراء ومن يكسب عيشه بالعمل اليومي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يموت الجوع وإما أن يموت بالكورونا وهو حر الاختيار ما بينهما! 

العدد 1104 - 24/4/2024