الدولار والصناعة

فؤاد اللحام:

شهد الدولار الأمريكي خلال الأسبوعين الأخيرين ارتفاعاً كبيراً وسريعاً في السوق غير الرسمية لم يصل إليه في أي ّفترة سابقة، وسط صمت الجهات العامة المعنية عن تقديم تبريرات لهذا الارتفاع أو اتخاذ اجراءات علنية لمواجهته، ما أدى إلى ازدياد حدة التكهنات والتوقعات والاشاعات وانتشار حالة من الجمود في النشاط الاقتصادي، وارتفاع في الأسعار.

وترجع بعض التحليلات هذا التراجع الكبير إلى مجموعة من الأسباب، في مقدمتها الفرق الكبير بين سعر الحوالات الرسمي وسعر السوق السوداء، وقد حدث هذا التراجع في فترة الأعياد التي تشهد عادة ارتفاعاً كبيراً في حجم التحويلات الخارجية ما يؤدي إلى انخفاض سعر الصرف بسبب زيادة العرض، ولا يقتصر سبب انخفاض قيمة العملة الوطنية على موضوع تراجع التحويلات الخارجية فقط، بل هناك أسباب أخرى ساهمت وما تزال تساهم في ذلك، في مقدمتها زيادة الطلب على الدولار من أجل تأمين المشتقات النفطية والقمح وتمويل مستوردات القطاع الخاص من البضائع ومستلزمات الإنتاج. يضاف إلى ذلك الأوضاع السياسية والعسكرية المستجدة وغير المستقرة في المنطقة، وحالة التحوط لدى المواطنين من أجل الحفاظ على القيمة الحقيقية لمدخراتهم، ولعبت المضاربات كالمعتاد دوراً هاماً في هذه العملية من أجل جني الأرباح من كل عملية ارتفاع أو انخفاض في سعر الدولار، إلا أن الحدث الأبرز في ارتفاع سعر الصرف، كما يرى العديد من المختصين، هو الأوضاع الاقتصادية والمالية المتردية في لبنان وازدياد الطلب على الدولار فيه، الأمر الذي ارتد على السوق السورية بسبب العلاقات المالية الخاصة بين البلدين وخاصة بسبب الأزمة.

إن ارتفاع سعر الصرف سيؤدي إلى مخاطر اقتصادية واجتماعية عديدة من بينها ارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي، وبالتالي ارتفاع أسعاره، ما سيؤدي حتماً إلى ضعف قدرته التنافسية سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية المستهدفة، الأمر الذي قد يؤدي – إن لم يكن قد أدى فعلاً – إلى توقف العديد من المنشآت الصناعية كلياً أو جزئياً.

إن تحسين قيمة الليرة السورية يتطلب مجموعة متكاملة من الإجراءات الاقتصادية والمالية والنقدية، في مقدمتها إعادة عجلة الإنتاج والعمل في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، وخاصة القطاع الصناعي وتشجيع الصادرات وترشيد المستوردات، من خلال إنتاج ما يمكن اقتصادياً من بدائل المستوردات، واعتماد سعر واقعي ومقبول للحوالات وقطع التصدير، واتخاذ إجراءات فعّالة تجاه المضاربين والمتاجرين بالقطع الأجنبي، وتشجيع شهادات الإيداع والودائع بالقطع الأجنبي وبالليرة السورية من خلال منح فوائد مجزية. يضاف إلى كل ذلك تشجيع إقامة الشركات العامة المساهمة لجذب المدخرات المحلية، واتخاذ خطوات جدية لتطوير التعاون الاقتصادي مع الحلفاء والأصدقاء، ليرتقي إلى مستوى التعاون السياسي وبشكل خاص ما يتعلق بتطوير التبادل التجاري والتعامل بالعملات الوطنية بدلاً عن الدولار، والإسراع في وضع وتنفيذ التسهيلات المتبادلة التي تتطلبها هذه العملية.

ونعود للتأكيد أن الأرض الصلبة لتحسين وضع الليرة السورية محصورة بتحريك الإنتاج المادي الفعلي، وليس العقارات والتنظيمات العمرانية الجديد، وأيّ إجراء آخر مهما كان يبقى إجراء مؤقتاً. فلتتوجه الجهود والإمكانيات لتعزيز قدرات الإنتاج الوطني بكل قطاعاته لأنها الأرضية الصلبة التي يبنى ويعتمد عليها.

العدد 1104 - 24/4/2024