كي لا ننسى | صلاح أيوب جلاحج.. أحد رواد الاشتراكية العلمية في القنيطرة

يونس صالح:

في محافظة القنيطرة، حيث المياه والأشجار الوارفة، وحيث شواهد التاريخ الحضاري العظيمة تصادفك أينما سرت، في هذه المحافظة العزيزة على قلب كل إنسان سوري، والتي تقبع الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي البغيض، ولد في عام 1922 طفل، سيصبح فيما بعد أحد المؤسسين الأوائل لمنظمة الحزب الشيوعي السوري في هذه المنطقة التي احتلت وتحتل قلوب جميع السوريين.

صلاح أيوب جلاحج، ابن هذه المحافظة، أحد الرواد الأوائل الذين نشروا أفكار الاشتراكية العلمية في تلك المنطقة، وأبصر النور، وسورية ترزح تحت الانتداب الفرنسي، ونما وترعرع في ظلّه، وعرف منذ نعومة أظفاره مرارة الاحتلال وقساوته، وعندما أصبح يافعاً، دفعه واقعه الصعب، شأنه في ذلك شأن معظم شباب جيله، للانخراط في العمل، وسنحت له فرصة العمل في الجزيرة السورية، تلك المنطقة النائية في البلاد، والمنسيّة، وهناك تعرّف على الشيوعيين، وأخذ يتأثر بأفكارهم تدريجياً، وهو الذي يكره الظلم، ويحلم بالعدالة منذ طفولته، وكان للشيوعي القديم جمال شركس، ذلك المناضل الذي استشهد تحت التعذيب في أعوام الوحدة المريرة بالنسبة للوطنيين السوريين، تأثير كبير على وعي هذا الشاب الذي بدأت تتكون ملامحه المقبلة منذ ذلك الوقت، في أربعينيات القرن الماضي ينتسب إلى الحزب الشيوعي، وترتبط حياته بعد ذلك بقضية الشيوعية، قضية العدالة الاجتماعية، وبعد عودته من الجزيرة يسكن في دمشق، ويعمل في المؤسسة العامة لمياه الفيجة، ويصبح منزله ملتقى لمجموعة من الشباب ذوي الميول التقدمية واليسارية، وكان من بينهم المناضل الشيوعي مراد اليوسف، الذي سيبرز اسمه فيما بعد، في سجن المزّة، كأحد أصلب المناضلين في الدفاع عن قضية الديمقراطية والعدالة. يتحدث مراد اليوسف عن صلاح، فيقول إنه كان يمدّه بالأدبيات الماركسية فقط، وكان يعرفه على شيوعيين قدماء مثل أكرم شركس من حي المهاجرين، الذي سافر إلى موسكو في الثلاثينيات من القرن الماضي مع الرفيق خالد بكداش إلى المدرسة الحزبية.

كان لصلاح دور مؤثر، في دائرة أصدقائه التي كانت تتوسع باستمرار، ولكن بطريقة غير مباشرة، لم يطلب من أحد الانضمام إلى الحزب أو أن يصبح شيوعياً، إلا أن سلوكه وسمعته الشخصية، ونزاهته، والتزامه، ورهافته، كانت تمارس تأثيرها على المحيطين به، الذين يجدون أنفسهم وقد أصبحوا أعضاء في الحزب. تروي إحدى قريباته فتقول: إنها كانت تكن كراهية للحزب الشيوعي، ولكنها بعد أن شاهدت كيف كان صلاح يتعامل مع أصدقائه وزملائه، وكيف تجلّت إنسانيته في التعامل مع والدته التي أصيبت بشظية أثناء الحرب وأصبحت عاجزة، حدث لديها تحوُّل معاكس، وتغيُّر عميق في موقفها تجاه الحزب الذي أنبت أشخاصاً مثل صلاح.

بقي هذا الشيوعي النقي حتى أواخر أيامه مخلصاً لمثُله، ولفكره، وقد كرّمه رفاقه في منظمة الحزب الشيوعي في القنيطرة بمناسبة ميلاده الثمانين.

في عام 2002 يغادر هذا الشيوعي العريق الحياة، مخلّفاً تراثاً من النزاهة والإخلاص والنقاء وحب الشعب انغرس عميقاً في تربة هذا الوطن الذي أحبه صلاح دون حدود، وناضل من أجل مستقبل أفضل له.

 

العدد 1105 - 01/5/2024