ماذا وراء الحشد العسكري الأمريكي في البحر الأسود؟!

 د. صياح عزام: 

قام رئيس أركان القوات البحرية الأمريكية (الأدميرال جون مايكل ريتشاردسون) بزيارة إلى الهند، وذلك في إطار المواجهة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الصين، وتهدف الزيارة، حسب ما قالته مصادر في البحرية الأمريكية، إلى (تعزيز ما أسمته الشراكة الاستراتيجية بين بحريتي البلدين، من خلال تبادل الزيارات والمعلومات).

في ظاهره يبدو هذا البيان بريئاً، ولكن الهند تكسب الكثير من وراء التعاون مع الولايات المتحدة، وبضمن ذلك حصولها على معلومات حول تحرك الغواصات الصينية التي ترصدها أنظمة الرصد المبكر الأمريكية عبر وصول مضيق (ملقا).

وهناك تقارير أفادت أن الهند قررت الانضمام إلى الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والفلبين، من أجل تنظيم عملية إبحار سفنها الحربية وإجراء مناورات بحرية في بحر الصين الجنوبي.

وهذا أيضاً قد يبدو طرحاً بريئاً، إلا أنه في الحقيقة جزء من سياسة أمريكية استفزازية تجاه الصين، تتخذ من مبدأ (حرية الملاحة) ذريعة لاستفزاز الصين والإبحار ضمن مسافة 12 ميلاً بحرياً حول جزر بحر الصين الجنوبي التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها.

وبالتوازي مع ذلك أرسلت الولايات المتحدة قوة بحرية ضاربة إلى الخليج العربي، في إطار مواجهتها مع إيران والعمل على حصارها وزيادة التحريض عليها.

ونظراً إلى هذا العدد الكبير من السفن الحربية التي تنشرها الولايات المتحدة بمواجهة الصين وإيران، قد يبدو أنه لم يعد لدى الولايات المتحدة سفن كافية للقيام بعمليات مماثلة في البحار المحيطة بروسيا من أجل ترهيبها.

غير أن الجنرال الأمريكي كورتيس سكاباروتي (القائد الأعلى للقوات الأمريكية الأطلسية في أوربا)، أبلغ الكونغرس الأمريكي في جلسة استماع يوم 6 أيار أنه طلب من البنتاغون إرسال مدمرتين إضافيتين، من أجل تعزيز هذه القوات (بسبب تحديث وتنامي الأساطيل الروسية حول أوربا، حسب زعمه، وعندما سُئل الجنرال سكاباروتي كيف ستنظر روسيا إلى تعزيز الولايات المتحدة وحلف الأطلسي انتشار قواتهما البحرية في البحر الأسود، أجاب قائلاً: في الحقيقة هم (الروس) لا يستحسنون وجودنا في البحر الأسود، ولكن هذا البحر هو مياه دولية، وسفننا الحربية، وكذلك طائراتنا يجب أن تذهب إلى هناك.

لماذا؟!

لأن الولايات المتحدة تعتبر أنه لابد لها من أن تنشر قوات بحرية وجوية عبر كل أنحاء العالم، وعلى بعد آلاف الأميال من سواحلها، وذلك من أجل ترسيخ سيطرتها العسكرية.

وحسب تعبير المخطط الاستراتيجي في الجيش الأمريكي المقدم داني سيورسن: (أخذت الولايات المتحدة تتحول إلى إمبراطورية مهيمنة تعتمد على القوة المدمرة)، وللاجتماع الذي عقد في سوتشي بين الرئيس الروسي بوتين ووزير الخارجية الأمريكية بومبيو دلالة كبيرة، لأن البحر الأسود الذي تقع سوتشي على ساحله هو البحر الذي تركز الولايات المتحدة الآن على نشر قوات بحرية وجوية فيه من أجل تعزيز قوتها في مواجهة روسيا. وقد صرح بومبيو عقب الاجتماع المذكور بأن واشنطن وموسكو يمكنهما إيجاد مجالات للتعاون المثمر بينهما.

إذا كانت واشنطن صادقة بشأن (تعاون مثمر)، فأول ما يترتب عليها هو وقف مناوراتها البحرية العدائية في البحر الأسود، غبر أن الواقع مناقض لذلك. ففي 4 نيسان الماضي، أعلنت واشنطن عن اتفاق بين الولايات المتحدة وحلف الأطلسي لتعزيز انتشار قوات أطلسية في منطقة البحر الأسود، وزيادة الدعم لأوكرانيا وجورجيا، فأين التعاون المثمر؟!

وعقب اجتماع الرئيس بوتين وبومبيو، صرح الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ قائلاً: في هذا الوقت بالذات، تقوم وحدة بحرية أطلسية بمهمة دورية في البحر الأسود، وهي تجري أيضاً تدريبات مع سفن أوكرانية وجورجية، ونحن سوف نعزز وجودنا في هذه المنطقة.

كل هذا يدل على أن نوايا الولايات المتحدة تجاه روسيا والصين هي نوايا خبيثة وبعيدة عن روح التعاون المتبادل.

 

العدد 1104 - 24/4/2024